عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الأموي المكي ثم المدني أبو عمرو ويقال: أبو عبد الله وأبو ليلى.
وأمه: أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ابن عبد مناف وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم توأمة أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأم عثمان بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولد في السنة السادسة من الفيل وأسلم قديماً وهو ممن دعاه الصديق إلى الإسلام وهاجر الهجرتين: الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وماتت عنده في ليالي غزوة بدر فتأخر عن بدر لتمريضها بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وآجره فهو معدود في البدريين بذلك.
وجاء البشير بنصر المسلمين ببدر يوم دفنوها بالمدينة فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها أختها أم كلثوم وتوفيت عنده سنة تسع من الهجرة.
وقال العلماء: ولا يعرف أحد تزوج بنتي نبي غيره ولذلك سمي ذا النورين فهو من السابقين الأولين وأول المهاجرين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن بل قال ابن عباد: لم يجمع القرآن (أى حفظه كاملاً) من الخلفاء إلا هو والمأمون.
وصفه و إسلامه
وأخرج ابن عساكر من طرق أن عثمان كان رجلا ربعة: ليس بالقصير ولا بالطويل حسن الوجه أبيض مشرباً حمرة بوجهه نكتات جدري كثير اللحية عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين خذل الساقين طويل الذراعين شعره قد كسا ذراعيه جعد الرأس أصلع أحسن الناس ثغراً جمته أسفل من أذنيه يخضب بالصفرة وكان قد شد أسنانه بالذهب.
قال ابن إسحاق: وكان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن حزم المازني قال: رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكراً ولا أنثى أحسن وجهاً منه. وأخرج عن موسى بن طلحة قال: كان عثمان بن عفان أجمل الناس.
وأخرج ابن عساكر عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل عثمان بصحفة فيها لحم فدخلت فإذا رقية رضي الله عنها جالسة فجعلت مرة أنظر إلى وجه رقية ومرة أنظر إلى وجه عثمان فلما رجعت سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: دخلت عليهما؟ قلت: نعم قال: فهل رأيت زوجاً أحسن منهما؟ قلت: لا يا رسول الله.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطاً وقال ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أدعك أبداً حتى تدع ما أنت عليه فقال عثمان: والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.
فضله رضي الله عنه
أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان وقال " ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة " .
وأخرج البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حين حوصر سنة الفتنة أشرف عليهم فقال: أنشدكم بالله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومة فله الجنة؟ فحفرتها فصدقوه بما قال.
وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان يا رسول الله على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد هذه شيء.
وأخرج الترمذي عن أنس والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين.
وأخرج أبو يعلى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله " .
خلافته رضي الله عنه بويع بالخلافة بعد دفن عمر بثلاث ليال فروي أن الناس كانوا يجتمعون في تلك الأيام إلى عبد الرحمن بن عوف يشاورونه ويناجونه فلا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحداً ولما جلس عبد الرحمن للمبايعة حمد الله وأثنى عليه وقال في كلامه: إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان أخرجه ابن عساكر عن المسور بن مخرم.
وفي هذه السنة من خلافته فتحت الري وكانت فتحت وانتفضت. وفي سنة خمس وعشرين عزل عثمان سعداً عن الكوفة وولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو صحابي أخو عثمان لأمه وذلك أول ما نقم عليه لأنه آثر أقاربه بالولايات. وفي سنة ست وعشرين زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه واشترى أماكن للزيادة وفيها فتحت سابور. وفي سنة سبع وعشرين غزا معاوية قبرس فركب البحر بالجيوش وكان معهم عبادة بن الصامت وزوجته أم حرام بنت ملحان الأنصارية فسقطت عن دابتها فماتت شهيدة هناك وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بهذا الجيش ودعا لها بأن تكون منهم فدفنت بقبرس(قبرص الآن) وفيها فتحت أرجان ودرا بجرد وفيها عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح فغزا أفريقية فافتتحها سهلا وجبلا فأصاب كل إنسان من الجيش ألف دينار وقيل ثلاثة آلاف دينار ثم فتحت الأندلس في هذا العام.
وفي سنة ثلاثين فتحت جور وبلاد كثيرة من أرض خراسان وفتحت نيسابور صلحاً وقيل عنوة وطوس وسرخس كلاهما صلحاً وكذا مرو وبيهق ولما فتحت هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال من كل وجه حتى اتخذ له الخزائن وأدر الأرزاق وكان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف أوقية.
ذكر الطبري آخر خطبة خطبها عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في جماعة:
"إن اللَّه عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها. إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى. فلا تُبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على [ص 191] ما يفنى. فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى اللَّه. اتقوا اللَّه عز وجل فإن تقواه جُنة من بأسه ووسيلة عنده.
واحذروا من اللَّه الغِيرَ والزموا جماعتكم ولا تصيروا أحزابًا {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
قال الزهري: ولي عثمان الخلافة اثنتي عشرة سنة يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئاً وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب لأن عمر كان شديداً عليهم فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم ثم توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر وكتب لمروان بخمس إفريقية وأعطى أقرباءه وأهل بيته المال وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها وقال إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما وإن أخذته فقسمته في أقربائي فأنكر الناس عليه ذلك أخرجه ابن سعد.
جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
قد روى البخاري في "صحيحه" من حديث أنس رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان قَدِمَ على عثمان رضي الله عنه، وكان يُغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لـ عثمان : يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت و عبد الله بن الزبير و سعيد بن العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أن يحرق).
وقد اعتمد عثمان في جمعه ونسخه للقرآن منهجاً تمثَّل فيما يلي:
- الاعتماد على جمع أبي بكر رضي الله، وقد دل على ذلك حديث البخاري الذي سقناه آنفاً، وفيه أن عثمان أرسل إلى حفصة طالباً منها إرسال الصحف القرآنية لنسخها في المصاحف.
- الإشراف بنفسه على لجنة الجمع، وتعاهدها بشكل مستمر، ففي الحديث الذي صحح إسناده ابن كثير أن عثمان لما أراد أن يكتب المصاحف جمع اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار...قال: وكان عثمان يتعاهدهم.
- أن يطلب من كل من كان عنده شيء من القرآن، كان قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي ويشترك في عملية جمع القرآن ونسخه، وقد صح عن علي رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ، ولا تقولوا له إلا خيراً، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأً منا جميعاً.
- الاقتصار عند الاختلاف في القراءات على لغة قريش، وهذا صريح في حديث البخاري السابق.
- أن يشتمل الجمع على حرف قريش، وهو أحد الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
- بعد الفراغ من كتابة المصحف الإمام يراجعه زيد بن ثابت ، ثم يراجعه عثمان بنفسه.
وقد التزم الصحابة رضي الله عنهم هذه المنهجية في كتابة المصحف بشكل دقيق، ولما تمت كتابة المصحف، أمر عثمان بنسخ المصاحف عن المصحف الإمام، وأرسلها إلى الأمصار، وهي التي عرفت فيما بعد بالمصاحف العثمانية، ثم أحرق ما سواه من النسخ، درءً للفتنة، ومنعاً للاختلاف.
والمتعارف عليه عند علماء رسم المصاحف، أن المصاحف العثمانية هي: المصحف الإمام، وهو المصحف الذي احتبسه عثمان لنفسه، والمصحف المدني، والمصحف المكي، والمصحف الشامي، والمصحف الكوفي، والمصحف البصري. وقد أرسل عثمان كل مصحف من هذه المصاحف إلى أماكنها، وتم اعتمادها بين أهل تلك الديار.
هكذا فإن عثمان رضي الله عنه بعمله هذا قد منع فتنة كادت تنزل بهذه الأمة، وكان ما قام به سبباً من الأسباب التي هيأها الله سبحانه وتعالى لحفظ كتابه الكريم، مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9).
قتله شهيداً رضي الله عنه
أخرج ابن عساكر من وجه آخر عن الزهري قال: قلت سعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان وما كان شأن الناس وشأنه؟ ولم خذله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن المسيب: قتل عثمان مظلوماً ومن قتله كان ظالماً ومن خذله كان معذوراً فقلت: كيف كان ذلك؟ قال إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة لأن عثمان كان يحب قومه فولى الناس اثنتي عشرة سنة وكان كثيراً ما يولي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة فكان يجيء من أمرائه ما ينكره أصحاب محمد وكان عثمان يستعتب فيهم فلا يعزلهم وذلك في سنة خمس وثلاثين فلما كان في الست الأواخر استأثر بني عمه فولاهم وما أشرك معهم وأمرهم بتقوى الله فولى عبد الله ابن أبي سرح مصر فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه وقد كان قبل ذلك من عثمان هنأة إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر فكانت بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال ابن مسعود وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر وجاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح فكتب إليه كتاباً يتهدده فيه فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله.
وأخرج أحمد عن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى وإني أعرض عليك خصالا ثلاثاً إحداهن: إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عدداً وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل وإما أن تخرق لك باباً سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على راحلتك فتلحق بمكة فإنهم لن يستحلوك وأنت بها وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فقال عثمان أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء وأما أن أخرج إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا وأما أن ألحق بالشام فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
وأخرج ابن عساكر عن أبي ثور الفهمي قال: دخلت على عثمان وهو محصور فقال: لقد اختبأت عند ربي عشراً إني لرابع أربعة في الإسلام وأنكحني رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى وما تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة إلا أن لا يكون عندي شيء فأعتقها بعد ذلك ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام قط ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الحاكم وصححه عن قيس بن عباد قال: سمعت علياً يوم الجمل يقول: اللهم أني أبرأ إليك من دم عثمان ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة فقلت والله إني لأستحي أن أبايع قوماً قتلوا عثمان وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان لم يدفن بعد فانصرفوا فلما رجع الناس فسألوني البيعة قلت اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فقالوا: يا أمير المؤمنين فكأنما صدع قلبي وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى.
وأخرج ابن عساكر عن أبي خلدة الحنفي قال: سمعت علياً يقول إن بني أمية يزعمون أني قتلت عثمان ولا والله الذي لا إله إلا هو ما قتلت ولا مالأت ولقد نهيت فعصوني.
وأخرج عن سمرة قال إن الإسلام كان في حصن حصين وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان لا تسد إلى يوم القيامة وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن حميد بن هلال قال: كان عبد الله بن سلام يدخل على محاصري عثمان فيقول لا تقتلوه فوالله لا يقتله رجل منكم إلا لقي الله أجذم لا يد له وإن سيف الله لم يزل مغموداً وإنكم والله إن قتلتموه ليسلنه الله ثم لا يغمده عنكم أبداً وما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفاً ولا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفاً قبل أن يجتمعوا.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن مهدي قال: خصلتان لعثمان ليستا لأبي بكر ولا لعمر رضي الله عنهما صبره على نفسه حتى قتل وجمعه الناس على المصحف.
وأخرج الحاكم عن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك حيث قال:
فكف يديه ثم أغلق بابه ... وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لأهل الدار: لا تقتلوهم ... عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم ... العداوة والبغضاء بعد التواصل ؟
وكيف رأيت الخير أدبر بعده ... عن الناس إدبار الرياح الجوافل ؟
أجمع أهل السنة على أن عثمان كان إمامًا على شرط الاستقامة إلى أن قُتل. وأجمعوا على أن قاتليه قتلوه ظلمًا، فإن كان فيهم من استحل دمه فقد كفر.
ولا أجد حرجاً أن أنقل روايتين عن الإمام عظيم القدر أبى حنيفة النعمان تبين مدى ما وصل إليه أهل الفتنة والخروج والتَشَيع من أهل العراق على عثمان رضى الله عنه من حقد عليه وكيف كان دفاع ذلك الإمام الفقيه عنه ذوداً عن الإسلام وقياماً بحق رسول الله صلى الله عليه و سلَم فى صحابته عليهم رضوان الله .. فعن سعيد بن أبى عروبة: قدمت الكوفة فحضرتُ مجلس أبى حنيفة ، فَذٌكِرَ يوماً عثمان بن عفان فتَرَحَم عليه، فقلت له: وأَنت يرحمك الله ، فما سمعتُ أحداً فى هذا البلد يترحم على عثمان بن عفان غيرَك.
ورواية أخرى أنه كان بالكوفة رجل يقول: عثمان بن عفان كان يهودياً، ولم يستطع أحدٌ على إقناعه أو حمله أن يتوقف عن مقالته، فأتاه أبو حنيفة ، قال: أتيتك خاطبا قال لمن؟ قال أبو حنيفة:لإبنتك، رجلٌ شريف غنى بالمال، حافظ لكتاب الله سخى، يقوم الليل فى ركوع ، كثير البكاءِ من خوف الله. قال الرجل: فى دون هذا مقنع -أى كفاية- يا أبا حنيفة ، قال أبو حنيفة: إلا أنَّ فيه خصلة قال الرجل: وما هىَّ؟ قال أبو حنيفة:يهودى قال الرجل: سبحان الله !! تأمُرُنى أن أُزَوِّج إبنتى من يهود !؟ قال أبو حنيفة: ألا تفعل ؟ قال: لا قال أبو حنيفة: فالنبى صلى الله عليه و سلَم زَوَّجَ ابنته مِن يهودى ! - يقصد عثمان رضى الله عنه كما يزعم ذلك الرجل .. ففهم الرجل مقصد الإمام أبى حنيفة وحجته عليه فى مقاله فقال الرجل : أستغفر الله، إنى تائب إلى الله عزَّ وجل. رضى الله عن عثمان ذى النورين ورحم الله أبا حنيفة.
أخرج ابن سعد عن موسى بن طلحة قال: رأيت عثمان يخرج يوم الجمعة وعليه ثوبان أصفران فيجلس على المنبر فيؤذن المؤذن وهو يتحدث يسأل الناس عن أسعارهم وعن مرضاهم؟.
وأخرج عن عبد الله الرومي قال: كان عثمان يلي وضوء الليل بنفسه فقيل له لو أمرت بعض الخدم فكفوك قال لا الليل لهم يستريحون فيه.
وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن عثمان بن عفان قال: كان نقش خاتم عثمان "آمنت بالذي خلق فسوى".
== المراجع ==
تاريخ الخلفاء - للحافظ جلال الدين السيوطى المتوفى سنة ٩١١هجرية
الكامل فى اللغة و الأدب للعلامة أبى العباس المبرَّد النَّحَوىّ.
موقع الشبكة الإسلامية - موقع المكتبة الإسلامية
أبو حنيفة حياته وعصره - آراؤه وفقهه للإمام محمد أبو زهرة