==عمر بن الخطاب الفاروق ==
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي ابن كعب بن لؤي أمير المؤمنين أبو حفص القرشي العدوي الفاروق اسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة قاله الذهبي وقال النووي ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة وكان من أشراف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيراً رضى الله عنه.
فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة وفرح به المسلمون.
وهو أحد السابقين الأولين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الخلفاء الراشدين وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد كبار علماء الصحابة وزهادهم.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثاً روى عنه عثمان بن عفان وعلي وسعد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبو ذر وعمرو بن عبسة وابنه عبد الله وابن عباس وابن الزبير وأنس وأبو هريرة وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري والبراء بن عازب وأبو سعيد الخدري وخلائق آخرون من الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم.
== إسلامه ==
أخرج الترمذي عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعزَّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام " وأخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود وأنس رضي الله عنهم.
وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال: خرج عمر متقلداً سيفه فلقيه رجل من بني زهرة فقال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمداً قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً؟ فقال: ما أراك إلا قد صبأت قال أفلا أدلك على العجب إن ختنك وأختك قد صبئا وتركا دينك فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب فلما سمع بحس عمر توارى في البيت فدخل فقال ما هذه الهيمنة وكانوا يقرءون طه قالا ما عدا حديثاً تحدثناه بينا قال فلعلكما قد صبأتما فقال له ختنه يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عليه عمر فوطئه وطأ شديداً فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها فقالت وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه وكان عمر يقرأ الكتاب فقالت أخته: إنك نجس وإنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه حتى انتهى إلى " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " " طه: 14 " فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة وطلحة وناس فقال حمزة: هذا عمر إن يرد الله به خيراً يسلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً قال والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه فخرج حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله.
== الفاروق ==
وأخرج ابن سعد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان إسلام عمر فتحاً وكانت هجرته نصراً وكانت إمامته رحمة ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
وبعد إسلامه يقول رضى الله عنه؟ خرجنا صفين أنا في أحدهما وحمزة في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إلي وإلى حمزة فأصابتهم كآبة شديدة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ لأنه أظهر الإسلام وفرق بين الحق والباطل.
وأخرج ابن سعد عن ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم
== فضله رضى الله عنه ==
أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك ".
وأخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " قال ابن عمر " وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر " .
وقيل لأبي بكر في مرضه: ماذا تقول لربك وقد وليت عمر؟ قال: أقول له وليت عليهم خيرهم أخرجه ابن سعد.
.
وقال حذيفة: والله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر.
وقالت عائشة رضي الله عنها وذكرت عمر كان والله أحوذياً نسيج وحده.
وقال معاوية رضي الله عنه: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها وأما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن أخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات.
وقال جابر رضي الله عنه: دخل على علي عمر وهو مسجى فقال رحمة الله عليك ما من أحد أحب إلى أن ألقى الله بما في صحيفته بعد صحبة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسجى أخرجه الحاكم.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله تعالى أخرجه الطبراني والحاكم.
عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " " البقرة: 125 " وقلت يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت كذلك.
وأخرج مسلم عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: في الحجاب وفي أسارى بدر وفي مقام إبراهيم ففي هذا الحديث خصلة رابعة.
وفي التهذيب للنووي: نزل القرآن بموافقته في أسرى بدر وفي الحجاب وفي مقام إبراهيم وفي تحريم الخمر فزاد خصلة خامسة وحديثها في السنن ومستدرك الحاكم أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فأنزل الله تحريمها.
ومن أولياته عند خلافته:
قال العسكري: هو أول من سمى أمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ من الهجرة وأول من أتخذ بيت المال وأول من سن قيام شهر رمضان وأول من عس بالليل وأول من عاقب على الهجاء وأول من ضرب في الخمر ثمانين وأول من حرم المتعة وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات وأول من أتخذ الديوان وأول من فتح الفتوح ومسح السواد وأول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة وأول من أحتبس صدقة في الإسلام وأول من أعال الفرائض وأول من أخذ زكاة الخيل وأول من قال أطال الله بقاءك قاله لعلي وأول من قال أيدك الله قاله لعلي هذا آخر ما ذكره العسكري.
وقال النووي في تهذيبه: هو أول من اتخذ الدرة وكذا ذكره ابن سعد في الطبقات قال: ولقد قيل بعده لَدَرَّةُ عمر أهيَبُ من سيفكم قال وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار.
وفى صحيح الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخارى : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينَ.
== فى الرد على من انتقص منه ==
قال سفيان الثوري من زعم أن علياً كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد أخطأ وَ خَطَأَ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار.
وقال شريك: ليس يقدم علياً على أبي بكر وعمر أحد فيه خير.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر هما أبو الإسلام وأمه.
وقال جعفر الصادق: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير.
== فى كراماته رضى الله عنه ==
شهاب عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال: ويل لملك الأرض من ملك السماء فقال عمر: إلا من حاسب نفسه فقال كعب والذي نفسي بيده إنها في التوراة لتابعتها فخر عمر ساجداً.
ثم رأيت في الكامل لابن عدي من طريق عبد الله بن نافع وهو ضعيف عن أبيه عن عمر أن بلالا كان يقو ل إذا أذن اشهد أن لا إله إلا الله حي على الصلاة فقال له عمر قل في أثرها: أشهد أن محمداً رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل كما قال عمر.
أخرج البيهقي وأبو نعيم كلاهما في دلائل النبوة واللالكائي في شرح السنة والدير عاقولي في فوائده وابن الأعرابي في كرامات الأولياء والخطيب في رواة مالك عن نافع عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشاً ورأس عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب جعل ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوت ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله قال قيل: لعمر إنك كنت تصيح بذلك وذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم قال ابن حجر في الإصابة إسناده حسن.
وقال أبو الشيخ في كتاب العظمة: حدثنا أبو الطيب حدثنا علي بن داود حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل يوم من أشهر العجم فقالوا يا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها قال وما ذاك؟ قالوا إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو إن هذا لا يكون أبدا في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب له أن قد أصبت بالذي قلت وإن الإسلام يهدم ما كان قبله وبعث بطاقة في داخل كتابه وكتب إلى عمرو إني قد بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم فأصبحوا وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم.
وأخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب قال: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول احبس هذه ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه فيقول له كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.
وأخرج عن الحسن قال: إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به فهو عمر بن الخطاب.
بينما عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعود أحد المسلمين وهو مريض
وضع يده - رضي الله عنه - على مكان الداء في جسد المريض
وقرأ عليه فاتحة الكتاب فبرئ الرجل بفضل الله ، فلما استشهد عمر
ومرض الرجل مرة أخرى طلب ممن يعوده أن يقرأ عليه أو أن يرقيه
بفاتحة الكتاب كما صنع عمر ..
فقرأ الراقي الفاتحة واضعا يده على الجزء المريض من جسده ، ثم قال له :
" كيف حالك ؟ "
قال له :" كما أنا " !!
فقال الراقي : " والله إن الفاتحة هي الفاتحة ولكن أين يد عمر؟ "
== زهد أمير المؤمنين عمر ==
: كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له واشترط عليه أن لا يركب برذوناً ولا يأكل نقياً ولا يلبس رقيقاً ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة.
وقال عكرمة بن خالد وغيره: إن حفصة وعبد الله وغيرهما كلموا عمر فقالوا لو أكلت طعاماً طيباً كان أقوى لك على الحق فقالَ: أَكلُّكُم على هذا الرأي قالوا نعم قال: قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبىَّ "يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر" على جادة فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل "أى منزلهما فى الجنة".
قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمناً ولا سميناً.
وقال ابن مليكة: كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها؟.
وقال الحسن: دخل عمر على ابنه عاصم وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه قال أو كلما قرمت إلى شيء أكلته كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما اشتهى.
وقال قتادة: كان عمر يلبس وهو خليفة جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس ويمر بالنكث والنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس ينتفعون به.
رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال ليتني كنت هذه التبنة يا ليتني لم أك شيئاً ليت أمي لم تلدني وقال عبيد الله ابن عمر بن حفص حمل عمر بن الخطاب قربة على عنقه فقيل له في ذلك فقال إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها .
وقال بلال لأسلم: كيف تجدون عمر؟ فقال خير الناس إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال عمر: هان شيء أصلح به قوماً أن أبدلهم أميراً مكان أمير. "أى إنه لشئٌ هيِّن"
وأخرج عن الحسن قال: كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم وأرزاقهم فكتب إليه: إنا قد فعلنا وبقى شيء كثير فكتب إليه عمر إنه فيئهم الذي أفاء الله عليهم ليس هو لعمر ولا لآل عمر اقسمه بينهم.
وقال عمر بن الخطابِ رحمه الله: لو كان الصبر و الشكرُ بعيرينِ ما باليت أيهما رَكِبتُ.
و قد ورد فى كتاب إصلاح المال لابن أبى الدنيا . .حدثنا عبد الله بن يونس بن بكير ، حدثني أبي ، حدثنا هشام بن سعد ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ، قال : قُدِمَ على عمر بن الخطاب بمال في ولايته ، فجعل يتصفحه وينظر إليه ، فهملت عيناه دموعا فبكى ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فوالله إن هذا لمن مواطن الشكر . فقال عمر : « إن هذا المال والله ما أعطيه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء .
== خلافته ==
ولي الخلافة بعهد من أبي بكر في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة قال الزهري: استخلف عمر يوم توفي أبو بكر وهو يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة أخرجه الحاكم فقام بالأمر أتم قيام
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن قرة قال: كان يكتب من أبي بكر خليفة رسول الله فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا: خليفة خليفة رسول الله قال عمر: هذا يطول: قالوا: لا ولكنا أمرناك علينا فأنت أميرنا قال: نعم أنتم المؤمنون وأنا أميركم فكتب أمير المؤمنين.
وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب لسنتين ونصف من خلافته فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي.
وكثرت الفتوح في أيامه: ففي سنة أربع عشرة فتحت دمشق ما بين صلح وعنوة وحمص وبعلبك صلحاً والبصرة والأبلة كلاهما عنوة.
وفيها جمع عمر بالناس على صلاة التراويح قاله العسكري في الأوائل.
وفي سنة خمس عشرة فتحت الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنها فتحت صلحاً وفيها كانت وقعة اليرموك والقادسية.
قال ابن جرير: وفيها مصر سعد الكوفة وفيها فرض عمر الفروض ودون الدواوين وأعطى العطاء على السابقة.
وفي سنة ست عشرة فتحت الأهواز والمدائن وأقام بها سعد الجمعة في إيوان كسرى وهي أول جمعة جمعت بالعراق وذلك في صفر وفيها كانت وقعة جلولاء وهزم فيها يزدجرد بن كسرى وتقهقر إلى الري وفيها فتحت تكريت وفيها سار عمر ففتح بيت المقدس وخطب بالجباية خطبته المشهورة وفيها فتحت قنسرين عنوة وحلب وإنطاكية ومنبج صلحاً وسروج عنوة وفيها فتحت قرقيسياء صلحاً وفي ربيع الأول كتب التاريخ من الهجرة بمشورة علي.
وفي سنة سبع عشرة زاد عمر في المسجد النبوي وفيها كان القحط بالحجاز وسمى عام الرمادة واستسقى عمر للناس بالعباس.
و في مجموع فتاوى ابن تيمية ذكراً لقصة الشجرة التى كان عندها بيعة الرضوان.. نقلوا عن عمر أنه بلغه: أن أقوامًا يزورون الشجرة التى بويع تحتها بيعة الرضوان، ويصلون هناك، فأمر بقطع الشجرة. وقد ثبت عنه أنه كان في سفر، فرأى قومًا ينتابون بقعة يصلون فيها، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ومكان صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك بنو إسرائيل بهذا. من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض.
وقد كان الصحابى الجليل حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد إلا هو؛ أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عمر رضى الله عنه يلح علي فى السؤال أأنا منهم أقسمت عليك بالله أأنا منهم ؟ حتى قال حذيفة : لا ولا أبرى بعدك أحداً .. ولقد سأله عمر وقت خلافته : أفي عمالي أحد من المنافقين؟ قال حذيفة: نعم، واحد، قال: من هو؟ قال: لا أذكره -أى أن هذا سر ائتمنه عليه النبى فلا يفشيه لأحد - . فعزله عمر - أى ذلك العامل من عماله -عندما أصبح ، كأنما كان بفراسته رضى الله عنه شاكاً فيه أنه هذا الواحد فتأكد عندما ألمح حذيفة إلى أنه واحد فقط من عماله، وكان عمر إذا مات أحد يسأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر الصلاة عليه لم يحضر عمر إتباعا لقول الله ~ و لا تصل على أحد منهم مات أبداً و لا تقم على قبره ،إنهم كفروا بالله ورسوله و ماتوا وهم فاسقون ~
ويروى أن عمر بن الخطاب رحمه الله نظر إلى رجل متنطِعٌ فى الدين يُظهِرَ النُسُكَ متماوتٌ ، فخفقه بالدَرّةِ ، وقال: لا تُمِتْ علينا ديننا ، أماتك الله.
قال أبو العباس المُبَرَّد: قال عمر بن الخطاب رحمهُ الله: علموا أولادكم العوم و الرمايةَ، ومُروُهُم فليَثِبوا على الخَيلِ وثباً، ورَووهُم ما يَجمُلُ مِن الشِعْر. وفى حديث آخر: وخير الخُلُقِ للمرأة المَغْزَل.
وقد ورد فى صحيح البخارى فى كتاب العلم بَاب الِاغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَقَالَ عُمَرُ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا .. أى احرصوا على تعلم الدين فى صغركم وشبابكم قبل الشيب وتولى الإمارة فيصبح التفقه صعباً والجهل بالفقه آفة لكم.
ومن آداب الرسائل والقضاء فى الإسلام رسالته رضى الله عنه التى جَمعَ فيها جُمَلَ الأحكام واختصرها بأجودِ الكلام، وجعَلَ الناسَ بعدَهُ يتخذونها إماماً وهى: "بسم الله الرحمن الرحيم: من عَبدِ اللهِ عمر بن الخطاب أميرَ المؤمنين إلى عبدُ اللهَ بن قيسٍ (هو أبو موسى الأشعَرى) . سلامٌ عليكَ فإنَّ القاءَ فريضةٌ مُحكَمة، وسُنَّةٌ متبعَة، فافهم إذا أُدْلِىَ إليكَ، فَإنَّه لا ينفعُ تَكَلٌمٌ بحقٍ لا نفاذَ لَهُ. آسِ (أى ساوى) بين الناسِ بوجهِكَ، وعدلِكَ، و مَجلِسِكَ، حتى لا يطمعَ شريفٌ فى حيفكَ (أى مجانبتك عن الحق) ، ولا ييئسَ ضَعيفٌ من عدلِكَ، البينة على من ادعى واليمين على من أَنكَر، والصلح جائِزٌ بينَ المسلمين، إلا صلحاً أحلَّ حراماً ، أو حرَّمَ حلالاً. لا يمنَعُكَ قَضاءٌ قضيته اليومَ فراجعتَ فيهِ عقلَكَ، وهُدِيتَ فِيهِ لِرُشدَكَ، أن ترجع إلى الحق ، فإن الحقَ قديمٌ، ومراجعةُ الحقِِ خَيرٌ من التمادى فى الباطِلْ .. إلى آخره .. أو كما قالَ رضى الله عنهُ
== ورعه مع ولده رضى الله عنهما ==
و قد ورد فى كتاب إصلاح المال لابن أبى الدنيا
عن ابن عمر ، قال : استأذنت عمر في الجهاد ، فقال : « إنك قد جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم » ، قال : ثم استأذنته ، فقال لي مثل ذلك ، فاستأذنته الثالثة ، فقال لي : « إني أخاف والله أن يصيب المسلمون غنيمة ، فيقولون : هذا عبد الله بن عمر أمير المؤمنين ، ادفعوا إليه مثل جارية في المغنم ، فيدفعوا إليك ، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فيها حق ، فتقع عليها فتكون زانيا
ويناسب هذا المقام أن نورد ما قاله عبد الله بن عمر فيما ورد عن ابن أبى الدنيا قال :حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، حدثنا أبو عبيدة الحداد ، عن أبي بكر الكليبي ، عن عبد الله بن العيزار قال : قال عبد الله بن عمر : « احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا » وكان هذا المثل جوهر ورعه وورع أبيه من قبله رضى الله عنهما.
== وفاته شهيداً رضى الله عنهُ ==
كانت وفاة سيدنا عمر رضي الله عنه بعد صدوره من الحج شهيداً قال سعيد بن المسيب لما نفر عمر من مني أناخ بالأبطح ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء وقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل أخرجه الحاكم.
وقال أسلم: قال عمر اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك أخرجه البخاري.
كان أبو لؤلؤة عبد للمغيرة يصنع الأرحاء وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم فلقي عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه فقال: أحسن إلى مولاك ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه فغضب وقال يسع الناسَ كُلُهُم عدلُهُ غَيرى وأضمر قتله واتخذ خنجراً وشحذه وسمه وكان عمر يقول أقيموا صفوفكم قبل أن يكبر فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته فسقط عمر وطعن ثلاثة عشر رجلا معه فمات منهم ستة وحمل عمر إلى أهله.
فقالوا لا بأس عليك فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت فقال أما والله وددت أني خرجت منها كفافاً لا على ولا لي وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلمت لي وأثنى عليه ابن عباس فقال لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من هول المطلع وقد جعلتها شورى في عثمان وعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأمر صهيباً أن يصلي بالناس وأجل الستة ثلاثاً أخرجه الحاكم.
وقال ابن عباس: كان أبو لؤلؤة مجوسياً.
ويتفق أهل السنة: أن الدافع وراء أبي لؤلؤة هو حقده على عمر لقيامه بفتح بلاد فارس. قال ابن تيمية في منهاج السنة: "وأبو لؤلؤة كافرٌ باتّفاق أهل الاسلام، كان مجوسيا من عباد النيران... فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاما للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم. لكنهم يختلفون إن كان هناك من شارك أبا لؤلؤة أم لا. إذ أن عبد الرحمن بن أبى بكر قد رأى -غداة طعن عمر- أبا لؤلؤة و الهرمزان(قائد فارسي غدر المسلمين ثم ادعى الإسلام)و جفينة (نصراني من الحيرة) يتناجون. ولما رأوا عبد الرحمن سقط منهم خنجر له رأسان، وهذه الشهادة هي التي جعلت عبيد الله بن عمر يتسرع فيشتمل على سيفه فيقتل به الهرمزان، ويهم بقتل جفينة.
وقال عمرو بن ميمون: قال عمر الحمد الله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ثم قال لابنه يا عبد الله أنظر ما على من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوها فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش أذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه فذهب إليها فقالت كنت أريده تعنى المكان لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فأتى عبد الله فقال قد أذنت فحمد الله تعالى وقيل له أوص يا أمير المؤمنين واستخلف قال ما أرى أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض فسمى الستة وقال يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعين به أيكم ما أمر فإني لم أعز له من عجز ولا خيانة ثم قال: أوصى الخليفة من بعدي بتقوى الله وأوصيه بالمهاجرين والأنصار وأوصيه بأهل الأمصار خيراً في مثل ذلك من الوصية.
رثت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عمر فقالت:
عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملي على الإمام الصليب
فجعتني المنون بالفارس المعلم ...يوم الهياج والتأنيب
عصمة الدين والمعين على الدهر ... وغيث الملهوف والمكروب
قل لأهل الضراء والبؤس: موتوا ... إذ سقتنا المنون كأس شعوب
== المراجع ==
صحيح الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخارى
تاريخ الخلفاء - للحافظ جلال الدين السيوطى المتوفى سنة ٩١١هجرية
الكامل فى اللغة و الأدب للعلامة أبى العباس المبرَّد النَّحَوىّ
الويكيبيديا العربية: أبو لؤلؤة المجوسى
http://islamport.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق