الاثنين، 23 مارس 2009

عثمان بن عفان
رضي الله عنه

نسبه و مولده
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الأموي المكي ثم المدني أبو عمرو ويقال: أبو عبد الله وأبو ليلى.
وأمه: أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ابن عبد مناف وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم توأمة أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأم عثمان بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولد في السنة السادسة من الفيل وأسلم قديماً وهو ممن دعاه الصديق إلى الإسلام وهاجر الهجرتين: الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وماتت عنده في ليالي غزوة بدر فتأخر عن بدر لتمريضها بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وآجره فهو معدود في البدريين بذلك.
وجاء البشير بنصر المسلمين ببدر يوم دفنوها بالمدينة فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها أختها أم كلثوم وتوفيت عنده سنة تسع من الهجرة.
وقال العلماء: ولا يعرف أحد تزوج بنتي نبي غيره ولذلك سمي ذا النورين فهو من السابقين الأولين وأول المهاجرين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن بل قال ابن عباد: لم يجمع القرآن (أى حفظه كاملاً) من الخلفاء إلا هو والمأمون.

وصفه و إسلامه
وأخرج ابن عساكر من طرق أن عثمان كان رجلا ربعة: ليس بالقصير ولا بالطويل حسن الوجه أبيض مشرباً حمرة بوجهه نكتات جدري كثير اللحية عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين خذل الساقين طويل الذراعين شعره قد كسا ذراعيه جعد الرأس أصلع أحسن الناس ثغراً جمته أسفل من أذنيه يخضب بالصفرة وكان قد شد أسنانه بالذهب.
قال ابن إسحاق: وكان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن حزم المازني قال: رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكراً ولا أنثى أحسن وجهاً منه. وأخرج عن موسى بن طلحة قال: كان عثمان بن عفان أجمل الناس.
وأخرج ابن عساكر عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل عثمان بصحفة فيها لحم فدخلت فإذا رقية رضي الله عنها جالسة فجعلت مرة أنظر إلى وجه رقية ومرة أنظر إلى وجه عثمان فلما رجعت سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: دخلت عليهما؟ قلت: نعم قال: فهل رأيت زوجاً أحسن منهما؟ قلت: لا يا رسول الله.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطاً وقال ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أدعك أبداً حتى تدع ما أنت عليه فقال عثمان: والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.

فضله رضي الله عنه
أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان وقال " ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة " .
وأخرج البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حين حوصر سنة الفتنة أشرف عليهم فقال: أنشدكم بالله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومة فله الجنة؟ فحفرتها فصدقوه بما قال.
وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان يا رسول الله على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد هذه شيء.
وأخرج الترمذي عن أنس والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين.
وأخرج أبو يعلى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله " .
خلافته رضي الله عنه بويع بالخلافة بعد دفن عمر بثلاث ليال فروي أن الناس كانوا يجتمعون في تلك الأيام إلى عبد الرحمن بن عوف يشاورونه ويناجونه فلا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحداً ولما جلس عبد الرحمن للمبايعة حمد الله وأثنى عليه وقال في كلامه: إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان أخرجه ابن عساكر عن المسور بن مخرم.
وفي هذه السنة من خلافته فتحت الري وكانت فتحت وانتفضت. وفي سنة خمس وعشرين عزل عثمان سعداً عن الكوفة وولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو صحابي أخو عثمان لأمه وذلك أول ما نقم عليه لأنه آثر أقاربه بالولايات. وفي سنة ست وعشرين زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه واشترى أماكن للزيادة وفيها فتحت سابور. وفي سنة سبع وعشرين غزا معاوية قبرس فركب البحر بالجيوش وكان معهم عبادة بن الصامت وزوجته أم حرام بنت ملحان الأنصارية فسقطت عن دابتها فماتت شهيدة هناك وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بهذا الجيش ودعا لها بأن تكون منهم فدفنت بقبرس(قبرص الآن) وفيها فتحت أرجان ودرا بجرد وفيها عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح فغزا أفريقية فافتتحها سهلا وجبلا فأصاب كل إنسان من الجيش ألف دينار وقيل ثلاثة آلاف دينار ثم فتحت الأندلس في هذا العام.
وفي سنة ثلاثين فتحت جور وبلاد كثيرة من أرض خراسان وفتحت نيسابور صلحاً وقيل عنوة وطوس وسرخس كلاهما صلحاً وكذا مرو وبيهق ولما فتحت هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال من كل وجه حتى اتخذ له الخزائن وأدر الأرزاق وكان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف أوقية.
ذكر الطبري آخر خطبة خطبها عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في جماعة‏:‏
‏"‏إن اللَّه عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها‏.‏ إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى‏.‏ فلا تُبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ‏[‏ص 191‏]‏ ما يفنى‏.‏ فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى اللَّه‏.‏ اتقوا اللَّه عز وجل فإن تقواه جُنة من بأسه ووسيلة عنده‏.‏
واحذروا من اللَّه الغِيرَ والزموا جماعتكم ولا تصيروا أحزابًا ‏{‏وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 103‏]‏‏.‏

قال الزهري: ولي عثمان الخلافة اثنتي عشرة سنة يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئاً وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب لأن عمر كان شديداً عليهم فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم ثم توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر وكتب لمروان بخمس إفريقية وأعطى أقرباءه وأهل بيته المال وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها وقال إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما وإن أخذته فقسمته في أقربائي فأنكر الناس عليه ذلك أخرجه ابن سعد.

جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
قد روى البخاري في "صحيحه" من حديث أنس رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان قَدِمَ على عثمان رضي الله عنه، وكان يُغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لـ عثمان : يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت و عبد الله بن الزبير و سعيد بن العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أن يحرق).
وقد اعتمد عثمان في جمعه ونسخه للقرآن منهجاً تمثَّل فيما يلي:

- الاعتماد على جمع أبي بكر رضي الله، وقد دل على ذلك حديث البخاري الذي سقناه آنفاً، وفيه أن عثمان أرسل إلى حفصة طالباً منها إرسال الصحف القرآنية لنسخها في المصاحف.

- الإشراف بنفسه على لجنة الجمع، وتعاهدها بشكل مستمر، ففي الحديث الذي صحح إسناده ابن كثير أن عثمان لما أراد أن يكتب المصاحف جمع اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار...قال: وكان عثمان يتعاهدهم.

- أن يطلب من كل من كان عنده شيء من القرآن، كان قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي ويشترك في عملية جمع القرآن ونسخه، وقد صح عن علي رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ، ولا تقولوا له إلا خيراً، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأً منا جميعاً.

- الاقتصار عند الاختلاف في القراءات على لغة قريش، وهذا صريح في حديث البخاري السابق.

- أن يشتمل الجمع على حرف قريش، وهو أحد الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.

- بعد الفراغ من كتابة المصحف الإمام يراجعه زيد بن ثابت ، ثم يراجعه عثمان بنفسه.

وقد التزم الصحابة رضي الله عنهم هذه المنهجية في كتابة المصحف بشكل دقيق، ولما تمت كتابة المصحف، أمر عثمان بنسخ المصاحف عن المصحف الإمام، وأرسلها إلى الأمصار، وهي التي عرفت فيما بعد بالمصاحف العثمانية، ثم أحرق ما سواه من النسخ، درءً للفتنة، ومنعاً للاختلاف.

والمتعارف عليه عند علماء رسم المصاحف، أن المصاحف العثمانية هي: المصحف الإمام، وهو المصحف الذي احتبسه عثمان لنفسه، والمصحف المدني، والمصحف المكي، والمصحف الشامي، والمصحف الكوفي، والمصحف البصري. وقد أرسل عثمان كل مصحف من هذه المصاحف إلى أماكنها، وتم اعتمادها بين أهل تلك الديار.
هكذا فإن عثمان رضي الله عنه بعمله هذا قد منع فتنة كادت تنزل بهذه الأمة، وكان ما قام به سبباً من الأسباب التي هيأها الله سبحانه وتعالى لحفظ كتابه الكريم، مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9).

قتله شهيداً رضي الله عنه
أخرج ابن عساكر من وجه آخر عن الزهري قال: قلت سعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان وما كان شأن الناس وشأنه؟ ولم خذله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن المسيب: قتل عثمان مظلوماً ومن قتله كان ظالماً ومن خذله كان معذوراً فقلت: كيف كان ذلك؟ قال إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة لأن عثمان كان يحب قومه فولى الناس اثنتي عشرة سنة وكان كثيراً ما يولي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة فكان يجيء من أمرائه ما ينكره أصحاب محمد وكان عثمان يستعتب فيهم فلا يعزلهم وذلك في سنة خمس وثلاثين فلما كان في الست الأواخر استأثر بني عمه فولاهم وما أشرك معهم وأمرهم بتقوى الله فولى عبد الله ابن أبي سرح مصر فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه وقد كان قبل ذلك من عثمان هنأة إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر فكانت بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال ابن مسعود وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر وجاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح فكتب إليه كتاباً يتهدده فيه فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله.

وأخرج أحمد عن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى وإني أعرض عليك خصالا ثلاثاً إحداهن: إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عدداً وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل وإما أن تخرق لك باباً سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على راحلتك فتلحق بمكة فإنهم لن يستحلوك وأنت بها وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فقال عثمان أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء وأما أن أخرج إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا وأما أن ألحق بالشام فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وأخرج ابن عساكر عن أبي ثور الفهمي قال: دخلت على عثمان وهو محصور فقال: لقد اختبأت عند ربي عشراً إني لرابع أربعة في الإسلام وأنكحني رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى وما تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة إلا أن لا يكون عندي شيء فأعتقها بعد ذلك ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام قط ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرج الحاكم وصححه عن قيس بن عباد قال: سمعت علياً يوم الجمل يقول: اللهم أني أبرأ إليك من دم عثمان ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة فقلت والله إني لأستحي أن أبايع قوماً قتلوا عثمان وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان لم يدفن بعد فانصرفوا فلما رجع الناس فسألوني البيعة قلت اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فقالوا: يا أمير المؤمنين فكأنما صدع قلبي وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى.
وأخرج ابن عساكر عن أبي خلدة الحنفي قال: سمعت علياً يقول إن بني أمية يزعمون أني قتلت عثمان ولا والله الذي لا إله إلا هو ما قتلت ولا مالأت ولقد نهيت فعصوني.
وأخرج عن سمرة قال إن الإسلام كان في حصن حصين وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان لا تسد إلى يوم القيامة وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن حميد بن هلال قال: كان عبد الله بن سلام يدخل على محاصري عثمان فيقول لا تقتلوه فوالله لا يقتله رجل منكم إلا لقي الله أجذم لا يد له وإن سيف الله لم يزل مغموداً وإنكم والله إن قتلتموه ليسلنه الله ثم لا يغمده عنكم أبداً وما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفاً ولا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفاً قبل أن يجتمعوا.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن مهدي قال: خصلتان لعثمان ليستا لأبي بكر ولا لعمر رضي الله عنهما صبره على نفسه حتى قتل وجمعه الناس على المصحف.
وأخرج الحاكم عن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك حيث قال:
فكف يديه ثم أغلق بابه ... وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لأهل الدار: لا تقتلوهم ... عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم ... العداوة والبغضاء بعد التواصل ؟
وكيف رأيت الخير أدبر بعده ... عن الناس إدبار الرياح الجوافل ؟
أجمع أهل السنة على أن عثمان كان إمامًا على شرط الاستقامة إلى أن قُتل‏.‏ وأجمعوا على أن قاتليه قتلوه ظلمًا، فإن كان فيهم من استحل دمه فقد كفر‏.
ولا أجد حرجاً أن أنقل روايتين عن الإمام عظيم القدر أبى حنيفة النعمان تبين مدى ما وصل إليه أهل الفتنة والخروج والتَشَيع من أهل العراق على عثمان رضى الله عنه من حقد عليه وكيف كان دفاع ذلك الإمام الفقيه عنه ذوداً عن الإسلام وقياماً بحق رسول الله صلى الله عليه و سلَم فى صحابته عليهم رضوان الله .. فعن سعيد بن أبى عروبة: قدمت الكوفة فحضرتُ مجلس أبى حنيفة ، فَذٌكِرَ يوماً عثمان بن عفان فتَرَحَم عليه، فقلت له: وأَنت يرحمك الله ، فما سمعتُ أحداً فى هذا البلد يترحم على عثمان بن عفان غيرَك.
ورواية أخرى أنه كان بالكوفة رجل يقول: عثمان بن عفان كان يهودياً، ولم يستطع أحدٌ على إقناعه أو حمله أن يتوقف عن مقالته، فأتاه أبو حنيفة ، قال: أتيتك خاطبا قال لمن؟ قال أبو حنيفة:لإبنتك، رجلٌ شريف غنى بالمال، حافظ لكتاب الله سخى، يقوم الليل فى ركوع ، كثير البكاءِ من خوف الله. قال الرجل: فى دون هذا مقنع -أى كفاية- يا أبا حنيفة ، قال أبو حنيفة: إلا أنَّ فيه خصلة قال الرجل: وما هىَّ؟ قال أبو حنيفة:يهودى قال الرجل: سبحان الله !! تأمُرُنى أن أُزَوِّج إبنتى من يهود !؟ قال أبو حنيفة: ألا تفعل ؟ قال: لا قال أبو حنيفة: فالنبى صلى الله عليه و سلَم زَوَّجَ ابنته مِن يهودى ! - يقصد عثمان رضى الله عنه كما يزعم ذلك الرجل .. ففهم الرجل مقصد الإمام أبى حنيفة وحجته عليه فى مقاله فقال الرجل : أستغفر الله، إنى تائب إلى الله عزَّ وجل. رضى الله عن عثمان ذى النورين ورحم الله أبا حنيفة.

أخرج ابن سعد عن موسى بن طلحة قال: رأيت عثمان يخرج يوم الجمعة وعليه ثوبان أصفران فيجلس على المنبر فيؤذن المؤذن وهو يتحدث يسأل الناس عن أسعارهم وعن مرضاهم؟.
وأخرج عن عبد الله الرومي قال: كان عثمان يلي وضوء الليل بنفسه فقيل له لو أمرت بعض الخدم فكفوك قال لا الليل لهم يستريحون فيه.
وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن عثمان بن عفان قال: كان نقش خاتم عثمان "آمنت بالذي خلق فسوى".

== المراجع ==
تاريخ الخلفاء - للحافظ جلال الدين السيوطى المتوفى سنة ٩١١هجرية
الكامل فى اللغة و الأدب للعلامة أبى العباس المبرَّد النَّحَوىّ.

موقع الشبكة الإسلامية - موقع المكتبة الإسلامية
أبو حنيفة حياته وعصره - آراؤه وفقهه للإمام محمد أبو زهرة

عمر بن الخطاب

مُحمدٌ رَسُولُ الله ،والذينَ مَعَهُ أشداءُ على الكفْارِ رُحَمَاءُ بيْنَهم تراهم رُكَّعا سُجَداً يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ ورِضوانَا ؛سيماهُم فى وُجُوهِهِم مِن أثرِ السُجُود. ذَلِكَ مَثَلُهُم فى التَورَاة. وَ مَثَلُهُم فى الإنجيلِ كزَرعٍ أَخرَجَ شَطئَهُ فَئازَرَهُ فاستَغلَظَ فَاستَوى عَلَى سُوقِه يُعجِبُ الزُرَّاعَ ليغيظَ بِهِمُ الكُفَّار. وَعَدَ اللهُ الذينَ أمنوا و عملوا الصالِحَاتِ مِنهُم مَغفِرَةً وأجرَاً عَظيمَا

==عمر بن الخطاب الفاروق ==
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي ابن كعب بن لؤي أمير المؤمنين أبو حفص القرشي العدوي الفاروق اسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة قاله الذهبي وقال النووي ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة وكان من أشراف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيراً رضى الله عنه.

فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة وفرح به المسلمون.
وهو أحد السابقين الأولين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الخلفاء الراشدين وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد كبار علماء الصحابة وزهادهم.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثاً روى عنه عثمان بن عفان وعلي وسعد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبو ذر وعمرو بن عبسة وابنه عبد الله وابن عباس وابن الزبير وأنس وأبو هريرة وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري والبراء بن عازب وأبو سعيد الخدري وخلائق آخرون من الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم.

== إسلامه ==
أخرج الترمذي عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعزَّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام " وأخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود وأنس رضي الله عنهم.

وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال: خرج عمر متقلداً سيفه فلقيه رجل من بني زهرة فقال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمداً قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً؟ فقال: ما أراك إلا قد صبأت قال أفلا أدلك على العجب إن ختنك وأختك قد صبئا وتركا دينك فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب فلما سمع بحس عمر توارى في البيت فدخل فقال ما هذه الهيمنة وكانوا يقرءون طه قالا ما عدا حديثاً تحدثناه بينا قال فلعلكما قد صبأتما فقال له ختنه يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عليه عمر فوطئه وطأ شديداً فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها فقالت وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه وكان عمر يقرأ الكتاب فقالت أخته: إنك نجس وإنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه حتى انتهى إلى " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " " طه: 14 " فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة وطلحة وناس فقال حمزة: هذا عمر إن يرد الله به خيراً يسلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً قال والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه فخرج حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله.

== الفاروق ==
وأخرج ابن سعد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان إسلام عمر فتحاً وكانت هجرته نصراً وكانت إمامته رحمة ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
وبعد إسلامه يقول رضى الله عنه؟ خرجنا صفين أنا في أحدهما وحمزة في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إلي وإلى حمزة فأصابتهم كآبة شديدة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ لأنه أظهر الإسلام وفرق بين الحق والباطل.
وأخرج ابن سعد عن ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم


== فضله رضى الله عنه ==
أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك ".

وأخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " قال ابن عمر " وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر " .

وقيل لأبي بكر في مرضه: ماذا تقول لربك وقد وليت عمر؟ قال: أقول له وليت عليهم خيرهم أخرجه ابن سعد.
.
وقال حذيفة: والله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر.
وقالت عائشة رضي الله عنها وذكرت عمر كان والله أحوذياً نسيج وحده.
وقال معاوية رضي الله عنه: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها وأما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن أخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات.
وقال جابر رضي الله عنه: دخل على علي عمر وهو مسجى فقال رحمة الله عليك ما من أحد أحب إلى أن ألقى الله بما في صحيفته بعد صحبة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسجى أخرجه الحاكم.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله تعالى أخرجه الطبراني والحاكم.
عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " " البقرة: 125 " وقلت يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت كذلك.
وأخرج مسلم عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: في الحجاب وفي أسارى بدر وفي مقام إبراهيم ففي هذا الحديث خصلة رابعة.
وفي التهذيب للنووي: نزل القرآن بموافقته في أسرى بدر وفي الحجاب وفي مقام إبراهيم وفي تحريم الخمر فزاد خصلة خامسة وحديثها في السنن ومستدرك الحاكم أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فأنزل الله تحريمها.
ومن أولياته عند خلافته:
قال العسكري: هو أول من سمى أمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ من الهجرة وأول من أتخذ بيت المال وأول من سن قيام شهر رمضان وأول من عس بالليل وأول من عاقب على الهجاء وأول من ضرب في الخمر ثمانين وأول من حرم المتعة وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات وأول من أتخذ الديوان وأول من فتح الفتوح ومسح السواد وأول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة وأول من أحتبس صدقة في الإسلام وأول من أعال الفرائض وأول من أخذ زكاة الخيل وأول من قال أطال الله بقاءك قاله لعلي وأول من قال أيدك الله قاله لعلي هذا آخر ما ذكره العسكري.
وقال النووي في تهذيبه: هو أول من اتخذ الدرة وكذا ذكره ابن سعد في الطبقات قال: ولقد قيل بعده لَدَرَّةُ عمر أهيَبُ من سيفكم قال وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار.
وفى صحيح الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخارى : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينَ.

== فى الرد على من انتقص منه ==
قال سفيان الثوري من زعم أن علياً كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد أخطأ وَ خَطَأَ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار.
وقال شريك: ليس يقدم علياً على أبي بكر وعمر أحد فيه خير.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر هما أبو الإسلام وأمه.
وقال جعفر الصادق: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير.

== فى كراماته رضى الله عنه ==
شهاب عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال: ويل لملك الأرض من ملك السماء فقال عمر: إلا من حاسب نفسه فقال كعب والذي نفسي بيده إنها في التوراة لتابعتها فخر عمر ساجداً.
ثم رأيت في الكامل لابن عدي من طريق عبد الله بن نافع وهو ضعيف عن أبيه عن عمر أن بلالا كان يقو ل إذا أذن اشهد أن لا إله إلا الله حي على الصلاة فقال له عمر قل في أثرها: أشهد أن محمداً رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل كما قال عمر.

أخرج البيهقي وأبو نعيم كلاهما في دلائل النبوة واللالكائي في شرح السنة والدير عاقولي في فوائده وابن الأعرابي في كرامات الأولياء والخطيب في رواة مالك عن نافع عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشاً ورأس عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب جعل ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوت ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله قال قيل: لعمر إنك كنت تصيح بذلك وذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم قال ابن حجر في الإصابة إسناده حسن.

وقال أبو الشيخ في كتاب العظمة: حدثنا أبو الطيب حدثنا علي بن داود حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل يوم من أشهر العجم فقالوا يا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها قال وما ذاك؟ قالوا إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو إن هذا لا يكون أبدا في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب له أن قد أصبت بالذي قلت وإن الإسلام يهدم ما كان قبله وبعث بطاقة في داخل كتابه وكتب إلى عمرو إني قد بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم فأصبحوا وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم.

وأخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب قال: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول احبس هذه ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه فيقول له كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.
وأخرج عن الحسن قال: إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به فهو عمر بن الخطاب.

بينما عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعود أحد المسلمين وهو مريض

وضع يده - رضي الله عنه - على مكان الداء في جسد المريض

وقرأ عليه فاتحة الكتاب فبرئ الرجل بفضل الله ، فلما استشهد عمر

ومرض الرجل مرة أخرى طلب ممن يعوده أن يقرأ عليه أو أن يرقيه

بفاتحة الكتاب كما صنع عمر ..

فقرأ الراقي الفاتحة واضعا يده على الجزء المريض من جسده ، ثم قال له :

" كيف حالك ؟ "

قال له :" كما أنا " !!

فقال الراقي : " والله إن الفاتحة هي الفاتحة ولكن أين يد عمر؟ "


== زهد أمير المؤمنين عمر ==
: كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له واشترط عليه أن لا يركب برذوناً ولا يأكل نقياً ولا يلبس رقيقاً ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة.
وقال عكرمة بن خالد وغيره: إن حفصة وعبد الله وغيرهما كلموا عمر فقالوا لو أكلت طعاماً طيباً كان أقوى لك على الحق فقالَ: أَكلُّكُم على هذا الرأي قالوا نعم قال: قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبىَّ "يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر" على جادة فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل "أى منزلهما فى الجنة".
قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمناً ولا سميناً.
وقال ابن مليكة: كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها؟.
وقال الحسن: دخل عمر على ابنه عاصم وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه قال أو كلما قرمت إلى شيء أكلته كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما اشتهى.

وقال قتادة: كان عمر يلبس وهو خليفة جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس ويمر بالنكث والنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس ينتفعون به.

رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال ليتني كنت هذه التبنة يا ليتني لم أك شيئاً ليت أمي لم تلدني وقال عبيد الله ابن عمر بن حفص حمل عمر بن الخطاب قربة على عنقه فقيل له في ذلك فقال إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها .
وقال بلال لأسلم: كيف تجدون عمر؟ فقال خير الناس إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال عمر: هان شيء أصلح به قوماً أن أبدلهم أميراً مكان أمير. "أى إنه لشئٌ هيِّن"

وأخرج عن الحسن قال: كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم وأرزاقهم فكتب إليه: إنا قد فعلنا وبقى شيء كثير فكتب إليه عمر إنه فيئهم الذي أفاء الله عليهم ليس هو لعمر ولا لآل عمر اقسمه بينهم.
وقال عمر بن الخطابِ رحمه الله: لو كان الصبر و الشكرُ بعيرينِ ما باليت أيهما رَكِبتُ.
و قد ورد فى كتاب إصلاح المال لابن أبى الدنيا . .حدثنا عبد الله بن يونس بن بكير ، حدثني أبي ، حدثنا هشام بن سعد ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ، قال : قُدِمَ على عمر بن الخطاب بمال في ولايته ، فجعل يتصفحه وينظر إليه ، فهملت عيناه دموعا فبكى ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فوالله إن هذا لمن مواطن الشكر . فقال عمر : « إن هذا المال والله ما أعطيه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء .


== خلافته ==
ولي الخلافة بعهد من أبي بكر في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة قال الزهري: استخلف عمر يوم توفي أبو بكر وهو يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة أخرجه الحاكم فقام بالأمر أتم قيام
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن قرة قال: كان يكتب من أبي بكر خليفة رسول الله فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا: خليفة خليفة رسول الله قال عمر: هذا يطول: قالوا: لا ولكنا أمرناك علينا فأنت أميرنا قال: نعم أنتم المؤمنون وأنا أميركم فكتب أمير المؤمنين.
وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب لسنتين ونصف من خلافته فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي.

وكثرت الفتوح في أيامه: ففي سنة أربع عشرة فتحت دمشق ما بين صلح وعنوة وحمص وبعلبك صلحاً والبصرة والأبلة كلاهما عنوة.
وفيها جمع عمر بالناس على صلاة التراويح قاله العسكري في الأوائل.
وفي سنة خمس عشرة فتحت الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنها فتحت صلحاً وفيها كانت وقعة اليرموك والقادسية.
قال ابن جرير: وفيها مصر سعد الكوفة وفيها فرض عمر الفروض ودون الدواوين وأعطى العطاء على السابقة.
وفي سنة ست عشرة فتحت الأهواز والمدائن وأقام بها سعد الجمعة في إيوان كسرى وهي أول جمعة جمعت بالعراق وذلك في صفر وفيها كانت وقعة جلولاء وهزم فيها يزدجرد بن كسرى وتقهقر إلى الري وفيها فتحت تكريت وفيها سار عمر ففتح بيت المقدس وخطب بالجباية خطبته المشهورة وفيها فتحت قنسرين عنوة وحلب وإنطاكية ومنبج صلحاً وسروج عنوة وفيها فتحت قرقيسياء صلحاً وفي ربيع الأول كتب التاريخ من الهجرة بمشورة علي.
وفي سنة سبع عشرة زاد عمر في المسجد النبوي وفيها كان القحط بالحجاز وسمى عام الرمادة واستسقى عمر للناس بالعباس.
و في مجموع فتاوى ابن تيمية ذكراً لقصة الشجرة التى كان عندها بيعة الرضوان.. نقلوا عن عمر أنه بلغه‏:‏ أن أقوامًا يزورون الشجرة التى بويع تحتها بيعة الرضوان، ويصلون هناك، فأمر بقطع الشجرة‏.‏ وقد ثبت عنه أنه كان في سفر، فرأى قومًا ينتابون بقعة يصلون فيها، فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ هذا مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ومكان صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد‏؟‏‏!‏ إنما هلك بنو إسرائيل بهذا‏.‏ من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض‏.
وقد كان الصحابى الجليل حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد إلا هو؛ أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عمر رضى الله عنه يلح علي فى السؤال أأنا منهم أقسمت عليك بالله أأنا منهم ؟ حتى قال حذيفة : لا ولا أبرى بعدك أحداً .. ولقد سأله عمر وقت خلافته : أفي عمالي أحد من المنافقين؟ قال حذيفة: نعم، واحد، قال: من هو؟ قال: لا أذكره -أى أن هذا سر ائتمنه عليه النبى فلا يفشيه لأحد - . فعزله عمر - أى ذلك العامل من عماله -عندما أصبح ، كأنما كان بفراسته رضى الله عنه شاكاً فيه أنه هذا الواحد فتأكد عندما ألمح حذيفة إلى أنه واحد فقط من عماله، وكان عمر إذا مات أحد يسأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر الصلاة عليه لم يحضر عمر إتباعا لقول الله ~ و لا تصل على أحد منهم مات أبداً و لا تقم على قبره ،إنهم كفروا بالله ورسوله و ماتوا وهم فاسقون ~
ويروى أن عمر بن الخطاب رحمه الله نظر إلى رجل متنطِعٌ فى الدين يُظهِرَ النُسُكَ متماوتٌ ، فخفقه بالدَرّةِ ، وقال: لا تُمِتْ علينا ديننا ، أماتك الله.
قال أبو العباس المُبَرَّد: قال عمر بن الخطاب رحمهُ الله: علموا أولادكم العوم و الرمايةَ، ومُروُهُم فليَثِبوا على الخَيلِ وثباً، ورَووهُم ما يَجمُلُ مِن الشِعْر. وفى حديث آخر: وخير الخُلُقِ للمرأة المَغْزَل.

وقد ورد فى صحيح البخارى فى كتاب العلم بَاب الِاغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَقَالَ عُمَرُ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا .. أى احرصوا على تعلم الدين فى صغركم وشبابكم قبل الشيب وتولى الإمارة فيصبح التفقه صعباً والجهل بالفقه آفة لكم.

ومن آداب الرسائل والقضاء فى الإسلام رسالته رضى الله عنه التى جَمعَ فيها جُمَلَ الأحكام واختصرها بأجودِ الكلام، وجعَلَ الناسَ بعدَهُ يتخذونها إماماً وهى: "بسم الله الرحمن الرحيم: من عَبدِ اللهِ عمر بن الخطاب أميرَ المؤمنين إلى عبدُ اللهَ بن قيسٍ (هو أبو موسى الأشعَرى) . سلامٌ عليكَ فإنَّ القاءَ فريضةٌ مُحكَمة، وسُنَّةٌ متبعَة، فافهم إذا أُدْلِىَ إليكَ، فَإنَّه لا ينفعُ تَكَلٌمٌ بحقٍ لا نفاذَ لَهُ. آسِ (أى ساوى) بين الناسِ بوجهِكَ، وعدلِكَ، و مَجلِسِكَ، حتى لا يطمعَ شريفٌ فى حيفكَ (أى مجانبتك عن الحق) ، ولا ييئسَ ضَعيفٌ من عدلِكَ، البينة على من ادعى واليمين على من أَنكَر، والصلح جائِزٌ بينَ المسلمين، إلا صلحاً أحلَّ حراماً ، أو حرَّمَ حلالاً. لا يمنَعُكَ قَضاءٌ قضيته اليومَ فراجعتَ فيهِ عقلَكَ، وهُدِيتَ فِيهِ لِرُشدَكَ، أن ترجع إلى الحق ، فإن الحقَ قديمٌ، ومراجعةُ الحقِِ خَيرٌ من التمادى فى الباطِلْ .. إلى آخره .. أو كما قالَ رضى الله عنهُ


== ورعه مع ولده رضى الله عنهما ==
و قد ورد فى كتاب إصلاح المال لابن أبى الدنيا
عن ابن عمر ، قال : استأذنت عمر في الجهاد ، فقال : « إنك قد جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم » ، قال : ثم استأذنته ، فقال لي مثل ذلك ، فاستأذنته الثالثة ، فقال لي : « إني أخاف والله أن يصيب المسلمون غنيمة ، فيقولون : هذا عبد الله بن عمر أمير المؤمنين ، ادفعوا إليه مثل جارية في المغنم ، فيدفعوا إليك ، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فيها حق ، فتقع عليها فتكون زانيا
ويناسب هذا المقام أن نورد ما قاله عبد الله بن عمر فيما ورد عن ابن أبى الدنيا قال :حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، حدثنا أبو عبيدة الحداد ، عن أبي بكر الكليبي ، عن عبد الله بن العيزار قال : قال عبد الله بن عمر : « احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا » وكان هذا المثل جوهر ورعه وورع أبيه من قبله رضى الله عنهما.


== وفاته شهيداً رضى الله عنهُ ==
كانت وفاة سيدنا عمر رضي الله عنه بعد صدوره من الحج شهيداً قال سعيد بن المسيب لما نفر عمر من مني أناخ بالأبطح ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء وقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل أخرجه الحاكم.

وقال أسلم: قال عمر اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك أخرجه البخاري.

كان أبو لؤلؤة عبد للمغيرة يصنع الأرحاء وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم فلقي عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه فقال: أحسن إلى مولاك ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه فغضب وقال يسع الناسَ كُلُهُم عدلُهُ غَيرى وأضمر قتله واتخذ خنجراً وشحذه وسمه وكان عمر يقول أقيموا صفوفكم قبل أن يكبر فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته فسقط عمر وطعن ثلاثة عشر رجلا معه فمات منهم ستة وحمل عمر إلى أهله.
فقالوا لا بأس عليك فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت فقال أما والله وددت أني خرجت منها كفافاً لا على ولا لي وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلمت لي وأثنى عليه ابن عباس فقال لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من هول المطلع وقد جعلتها شورى في عثمان وعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأمر صهيباً أن يصلي بالناس وأجل الستة ثلاثاً أخرجه الحاكم.
وقال ابن عباس: كان أبو لؤلؤة مجوسياً.
ويتفق أهل السنة: أن الدافع وراء أبي لؤلؤة هو حقده على عمر لقيامه بفتح بلاد فارس. قال ابن تيمية في منهاج السنة: "وأبو لؤلؤة كافرٌ باتّفاق أهل الاسلام، كان مجوسيا من عباد النيران... فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاما للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم. لكنهم يختلفون إن كان هناك من شارك أبا لؤلؤة أم لا. إذ أن عبد الرحمن بن أبى بكر قد رأى -غداة طعن عمر- أبا لؤلؤة و الهرمزان(قائد فارسي غدر المسلمين ثم ادعى الإسلام)و جفينة (نصراني من الحيرة) يتناجون. ولما رأوا عبد الرحمن سقط منهم خنجر له رأسان، وهذه الشهادة هي التي جعلت عبيد الله بن عمر يتسرع فيشتمل على سيفه فيقتل به الهرمزان، ويهم بقتل جفينة.
وقال عمرو بن ميمون: قال عمر الحمد الله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ثم قال لابنه يا عبد الله أنظر ما على من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوها فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش أذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه فذهب إليها فقالت كنت أريده تعنى المكان لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فأتى عبد الله فقال قد أذنت فحمد الله تعالى وقيل له أوص يا أمير المؤمنين واستخلف قال ما أرى أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض فسمى الستة وقال يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعين به أيكم ما أمر فإني لم أعز له من عجز ولا خيانة ثم قال: أوصى الخليفة من بعدي بتقوى الله وأوصيه بالمهاجرين والأنصار وأوصيه بأهل الأمصار خيراً في مثل ذلك من الوصية.
رثت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عمر فقالت:
عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملي على الإمام الصليب
فجعتني المنون بالفارس المعلم ...يوم الهياج والتأنيب
عصمة الدين والمعين على الدهر ... وغيث الملهوف والمكروب
قل لأهل الضراء والبؤس: موتوا ... إذ سقتنا المنون كأس شعوب


== المراجع ==
صحيح الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخارى
تاريخ الخلفاء - للحافظ جلال الدين السيوطى المتوفى سنة ٩١١هجرية
الكامل فى اللغة و الأدب للعلامة أبى العباس المبرَّد النَّحَوىّ
الويكيبيديا العربية: أبو لؤلؤة المجوسى
http://islamport.com

أبو بكرٍ الصديق

مُحمدٌ رَسُولُ الله ،والذينَ مَعَهُ أشداءُ على الكفْارِ رُحَمَاءُ بيْنَهم تراهم رُكَّعا سُجَداً يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ ورِضوانَا ؛سيماهُم فى وُجُوهِهِم مِن أثرِ السُجُود. ذَلِكَ مَثَلُهُم فى التَورَاة. وَ مَثَلُهُم فى الإنجيلِ كزَرعٍ أَخرَجَ شَطئَهُ فَئازَرَهُ فاستَغلَظَ فَاستَوى عَلَى سُوقِه يُعجِبُ الزُرَّاعَ ليغيظَ بِهِمُ الكُفَّار. وَعَدَ اللهُ الذينَ أمنوا و عملوا الصالِحَاتِ مِنهُم مَغفِرَةً وأجرَاً عَظيمَا

== أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ==
هو عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيم بن مرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب، القرشى ، التيمى ، يلتقى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فى مرَّة.
* قال النووى فى تهذيبه "كتاب تهذيب الأسماء" قال مصعب بن الزبير و غيره وأجمعت الأمة (سوى أعداءُ الله من الشيعة الروافض) على تسميته الصديق لأنه بادر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولازم الصدق ، فلم تقع منه هَنَاةٍ ما ، ولا وقفة فى حال من الأحوال ، وكانت له فى الإسلام المواقفَ الرفيعَة منها قصته يوم الإسراء ، وثباته ، وجوابُه للكفار فى ذلك ، وهجرته مع رسول الله ، وترك عيالِه وأطفَاله ، وملازمَتُه فى الغار وسائر الطريق إلى المدينة. ثم كلامُه يَوم بدر و يوم الحديبية حينَ اشتَبَه على غيرهِ الأمرُ فى تأخر دخولِ مكةَ ، ثم بُكَاؤه حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَ عبداً خَيَرَهُ الله بين الدنيا و الآخِرَةَ فاختارَ الآخِرَةَ ثم ثباته يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبَتُهُ فى الناس و تسكينهم ، ثم قيامُهُ فى قضيةِ البيعَةِ لمصلحةِ المسلِمِنَ ، ثم اهتمامه و ثباته فى بعث جيشِ أُسَامة بن زيد إلى الشام وتصميمه فى ذلك ، ثم قيامه فى قتال أهل الردة ومناظرَتِهِ للصحابة حتى حجَّهم بالدلائل ، وشرح الله صدورهم لما شرح له صدره من الحقِ فى قتال أهل الردة ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوحه وإمدادهم بالأمداد ، ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجَلِّ فضائله ، وهو استخلافه عمر رضى الله عنه وتفرسه فيه ، ووصيته له، واستيداعه الله الأمة ، فخلَفهُ الله عز وجل فيهم أحسن الخلافة .. وكم للصديق من مناقب ومواقف وفضائل لا تحصى ؟ هذا كلام النووى
وأخرج الحاكم فى المستدرك عن النزال بن سبرة قال: قلنا لعلى: يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن أبي بكر ، قال: ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل ، وعلى لسان محمد ، كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا ، إسناده جيد.
وأخرج الدارقطنى والحاكم عن أبى يحيى ، قال: لا أُحصِى كَم سمعت عليا على المنبر: إن الله سمَّى أبا بكرٍ على لسان نبيه صدِّيقا.
وأخرج الحاكم فى المستدرك عن عائشة رى الله عنها ،قالت: جاءَ المشرِكون إلى أبى بكر ، فقالوا: هل لك إلى صاحِبِك؟ يزعم أنه أُسْرِىَ يه الليلة إلى بيتِ المَقْدِسِ ، قال: أَوَ قالَ ذَلِك؟ قالوا: نعم ، فقال: لقد صَدَقْ ، إنى لأصدقَهُ بِأبعَدَ مِن ذلك بخبر السماء غدوةً و روحةً ؛ فلذلك سمى الصديق ، إسناده جيد ، وقد وردَ ذلك من حديثِ أَنَس و أبى هريرة ، وأسندَهما ابن عساكرٍ وأمِ هانئ ، أخرجه الطبرانى.
وأخرج ابن عساكرٍ عن على رضى الله عنه ، قال: أولُ من أسلَمَ من الرجال أبو بكرٍ.
و أخرج الطبرانى فى الكبير ، وعبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد عن الشعبى قال: سألت ابن عباس ، أىُّ الناس كان أول إسلاماً؟ قال:أبو بكر الصديق ألم تسمع قول حسان ..
قال حسان بن ثابت رضى الله عنه:
* إذا تَذَكرتَ شجواً من أخى ثِقَةٍ << >> فاذكُر أَخاكَ أبَا بكرٍ بما فَعَلا
* خيرُ البَريَّةِ أتقَاها وأعدَلَهَا << >> إلا النبىَّ وأوفاها بما حملا
* والثانِىَ التَالِىَ المَحمُودَ مَشهَدُه << >> وأوَّلَ الناسِ منهم صدَّقَ الرُّسلا

== إسلامه وفضله ==

أخرج ابن نعيم وابن عساكر ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كلمتُ فى الإسلام أحداً إلا أبى عَلَىَّ و راجعنى الكلام ، إلا ابن أبى قحافة ، فإنى لم أكَلِمَهُ فى شئٍ إلا قَبِلَهُ واستَقَامَ عليهِ".
وقال ابن إسحاق: حدثنى محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما دعوتُ أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوةٌ و ترددٍ ونظر ، إلا أبا بكرٍ ، ما عَتَمَ عنه حين ذكرته ، وما تردد فيه" عتم: أى لبث.
وأَخرَجَ ابن عساكر بسند جيد عن محمد بن سعد بن أبى وقاص أنه قال لأبيه سعدٍ: أكان أبو بكرٍ أَوَّلكم إسلاما؟ قال: لا ، ولكنه أسلم قبله أكثَرَ مِن خَمسَة ، ولكن كَان خَيرُنَا إسلاماً.
قال ابن كَثير: والظَاهِرُ أن أَهل بيتهِ صلى الله عليه و سلم آمنوا قبلَ كُلِ أحَد: زوجته خديجة ، ومولاه زيد ، وزوجة زيد أُمُ أَيمن ، وعلىّ ، وورقة ، انتهى
وأخرجَ أبو نُعَيم عن فرات بن السائب: قال: سألتُ ميمونَ بن مهران ، قلت: علىُّ أفضل عندك أم أبو بكر و عمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده ، ثم قال: ما كنت أَظُنُ أن أبقى إلى زمان يُعدَلُ ، لله درُّهُما! كانا رأسُ الإسلامِ . قلت: فأبو بكرٍ كان أول إسلاماً أم علىّ؟ قال: واللهِ لقد آمن أبو بكرٍ بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم زمَنَ بحيراً الراهبُ حين مرَّ به ، واختلف فيما بينَهُ وبين خديجَةَ حتى أنكحها إياه ، وذلك كله قبل أن يولد علىّ ، وقيل أول من أسلمَ على وقيلَ خديجة. وجُمِعَ بين الأقوال بأنَ أبا بكرٍ أول من أسلم من الرجال ، وعلىّ أول من أسلمَ من الصبيان ، وخديجة أول من أسلمت من النساء ؛ وأول من ذَكَرَ هذا الجمع الإمام أبو حنيفةَ رحمهُ الله.
== صُحبَتُه ومشاهده مع الرسول وشجاعته ==


قال العلماء صحب أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم من حين أسلم إلى حين توفي لم يفارقه سفراً ولا حضراً إلا فيما أذن له صلى الله عليه وسلم في الخروج فيه من حج وغزو وشهد معه المشاهد كلها وهاجر معه وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو رفيقه في الغار قال تعالى " ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " " التوبة: 40 " وقام بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موضع وله الآثار الجميلة في المشاهد وثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس.

أخرج البزار في مسنده عن عَلىّ رضى الله عنه أنه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ فقالوا أنت قال: أما إني ما
بارزت أحداً إلا انتصفت منه ولكن أخبروني بأشجع الناس قالوا لا نعلم فمن قال أبو بكر إنه لما كان يوم بدر فجعلتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه فهو أشجع الناس قال عَلىّ رضي الله عنه ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش فهذا يجبأه وهذا يتلتله وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجبأ هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم رفع على بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال ألا تجيبونني فوالله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.

== أجود الصحابة ==
قال الله تعالى: " وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى " " الليل: 18 " إلى آخر السورة قال ابن الجوزي أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر " فبكى أبو بكر وقال هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟.
وأخرج أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً مثله.
قال ابن كثير وروى أيضاً من حديث علي وابن عباس وأنس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم وأخرجه الخطيب عن سعيد بن المسيب مرسلا وزاد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
وأخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة رضي الله عنها وعروة بن الزبير " أن أبا بكر رضي الله عنه أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار وفي لفظ أربعون ألف درهم فأنفقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وأخرج أبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي قلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتي أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسبقه في شيء أبداً قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وأخرج ابن جرير عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال أبوه أي بنى أراك تعتق أناساً ضعافاً فلو أنك تعتق رجالا جلداً يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك قال أي أبت أنا أريد ما عند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه " فأما من أعطى واتقى " " الليل: 5 " إلى آخرها.
وأخرج أبن أبي حاتم والطبراني عن عروة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعتق سبعة كلهم يعذب في الله وفيه نزلت " وسيجنبها الأتقى " " الليل: 17 " إلى آخر السورة.
وأخرج البزار عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " " الليل: 19 " إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

== عِلمُهُ و قضاؤُه ==
وقال ابن كثير: كان الصديق رضي الله عنه أقرأ الصحابة أي أعلمهم بالقرآن لأنه صلى الله عليه وسلم قدمه إماماً للصلاة بالصحابة رضي الله عنه مع قوله " يَؤُمُ القوم أقرؤهم لكتاب الله " .
وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره " .
وكان مع ذلك أعلمهم بالسنة كما رجع إليه الصحابة في غير موضع يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي صلى الله عليه وسلم يحفظها هو ويستحضرها عند الحاجة إليها ليست عندهم وكيف لا يكون كذلك وقد واظب على صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم من أول البعثة إلى الوفاة وهو مع ذلك من أذكى عباد الله وأعقلهم وإنما لم يرو عنه من الأحاديث المسندة إلا القليل لقصر مدته وسرعة وفاته بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فلو طالت مدته لكثر ذلك عنه جداً ولم يترك الناقلون عنه حديثاً إلا نقلوه ولكن كان الذين في زمانه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قد شاركه هو في روايته فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم.
وأخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى به وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه آله وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء فيقول أبو بكر الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإن أجمع أمرهم على رأى قضى به وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعا رؤوس المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر قضى به.
وكان الصديق رضي الله عنه مع ذلك أعلم الناس بأنساب العرب لا سيما قريش أخرج ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الأنصار قال: كان جبير بن مطعم من أنسب قريش لقريش والعرب قاطبة وكان يقول إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق وكان أبو بكر الصديق من أنسب العرب.
وكان الصديق مع ذلك غاية في علم تعبير الرؤيا وقد كان يعبر الرؤيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال محمد بن سيرين وهو المقدم في هذا العلم بالاتفاق كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن سعد.

== فَضلُه بين الصحابة ==
أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب: أبو بكر سيدنا.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمر رضي الله عنه قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم.
أجمع أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم سائر العشرة ثم باقي أهل بدر ثم باقي أهل أحد ثم باقي أهل البيعة ثم باقي الصحابة هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي.
وروى البخاري عن ابن عمر قال: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ابن الخطاب ثم عثمان ابن عفان رضي الله عنهم وزاد الطبراني في الكبير فيعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال: كنا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً.
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن متوافرون نقول أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت.

== فى الرد على من انتقص منه ==
قال سفيان الثوري من زعم أن علياً كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد أخطأ وَ خَطَأَ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار.
وقال شريك: ليس يقدم علياً على أبي بكر وعمر أحد فيه خير.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر هما أبو الإسلام وأمه.
وقال جعفر الصادق: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير.

== خلافتِه ==
وقال ابن إسحاق في السيرة: حدثني الزهري قال: حدثني أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
والذي وقع في أيامه من الأمور الكبار: تنفيذ جيش أسامة وقتال أهل الردة وما نعي الزكاة ومسيلمة الكذاب وجمع القرآن.
أخرج الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتد من ارتد من العرب وقالوا نصلي ولا نزكي فأتيت أبا بكر فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك جباراً في الجاهلية خواراً في الإسلام بماذا عسيت أن أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالا قال عمر: فوجدته في ذلك أمضى مني وأحزم وأدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤونتهم حين وليتهم.
وقال الذهبي: لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالنواحي ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزكاة فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم فقال: والله لو منعوني عقالا أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله " فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال وقد قال إلا بحقها قال عمر فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق أخرجه الشيخان وغيرهما.

== أبو بكر وما أدراك ما أبو بكر ==

من خُطبة لعمر بن الخطاب رضى الله عنه مغضبا لمَّا بَلَغَهُ أن قوما يفضلونه على أبى بكر رضى الله عنه: أيها الناس ، إنى سأخبرُكم عنى وعن أبى بكر ، إنه لمَّا توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب ، ومنعت شاتها وبعيرها ، فأَجمَعَ رأينا كلنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن قلنا له يا خليفة رسول الله ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقاتل العرب بالوحى والملائكة يمدُهُ الله بهم ، وقد انقطع ذلك اليوم فالزم بيتك و مسجِدك ، فإنه لا طاقة لك بقتال العرب. فقال أبو بكر الصديق: أوَ كُلُكُم رأيَهُ على هذا ؟ فقلنا نعم فقال: واللهِ لأَن أَخِرَّ من السماءِ فتخطَفَنى الطيرُ أَحَبَّ إلىَ من أن يكون هذا رأيى .. ثم صعد المنبر ، فحمد اللهَ وكبَّرَهُ وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلَّم ثم أقبل على الناسِ فقال: أيها الناس ، من كانَ يعبُدُ محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كانَ يعبدُ اللهَ فإن اللهَ حى لا يموت.
أيها الناس، أإن كَثُرَ أعداؤُكم ، وقل عددُكم ، ركب الشيطان منكم هذا المركِبِ؟ واللهِ لَيُظهِرَنَّ اللهُ هذا الدينِ على الأديانِ كلِها ولو كرِهَ المُشرِكون. قوله الحق ووعدُهُ الحق، <بل نقذِفُ بالحقِِ على الباطلِ فَيدمَغُهُ فإذا هو زاهِق> ،و <كم من فئةٍ قليلَةٍ غَلَبَت فئةً كثيرَةً بإذن الله واللهُ معَ الصابرين> . واللهِ أيها الناس. لو أُفرِدتُ من جميعكم لجاهدتهُم فى الله حق جِهادِهِ حتى أُبْلَى بنفسى عُذراً أو أُقتَلَ قَتِيلاً ، والله أيها الناس لو منعونى عِقَالاً لجاهدتهم عليهِ، واستعنت عليهِمُ اللهَ وهو خيرُ معين. ثم نَزَلَ فجاهد فى اللهِ حقَ جِهَادِهِ حتى أذعَنتِ العربُ بالحق
..
== وفاته رضى الله عنه ==
وأخرج الواقدي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يوماً بارداً فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة وتوفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة.
وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها تمثلت بهذا البيت وأبو بكر يقضي:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فقال أبو بكر: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبادة بن قيس قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة اغسلي ثوبي هذين وكفنيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين إما مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب.
وأخرج ابن أبي الدينا عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس ويعينها عبد الرحمن بن أبي بكر.
وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه صلى على أبي بكر بين القبر والمنبر وكبر عليه أربعاً.
ودخل عليه بعض الصحابة فقال له قائل منهم ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته فقال أبو بكر بالله تخوفني أقول اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت وراءك ثم دعا عثمان فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً فإن عدل فلذلك ظني به وعلمي فيه وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم أمر بالكتاب فختمه ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوماً فبايع الناس ورضوا به ..
ثم دعا أبو بكر عمر خالياً فأوصاه بما أوصاه ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه وقال اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأياً فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على ما أرشدهم وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلُفنى فيهِم فَهُم عبادك ونواصِيهم بيدِكَ ؛ أَصلِحِ اللَهُمَّ ولاتَهُم واجعله من خلفائك الراشدين وأصلح له رعيته.
== المراجع ==

تاريخ الخلفاء - للحافظ جلال الدين السيوطى المتوفى سنة ٩١١هجرية
الكامل فى اللغة و الأدب للعلامة أبى العباس المبرَّد النَّحَوىّ


الخميس، 5 فبراير 2009

الرد على القرآنيين فى حجة السنة و إجماع الأمة

الرد على القرآنيين فى حجة السنة و إجماع الأمة ..
رسالة إلى أحد القرآنيين.
أحمد الله و أصلى وأسلم على رسوله الكريم النبى الأمى نبى الرحمة..
شغلتنى الحوارات التى دارت بيننا عن الحديث الشريف والسنة المطهرة و حجتها فى الإسلام دينا و فرائضا وتشريعا..
وقد فهمت تماما رأيك فى عدم الأخذ بها وأسبابك فى ذلك ولا أحتاج إلى إعادتها هنا.. إلا أننى ما أزال عند رأى فى ذلك و لقد خطر لى أمس عند قراءتى لإحدى الكتب التى تتكلم عن سيرة الإمام المعظم والملقب بناصر السنة محمد بن إدريس الشافعى أن أعرض عليك حجته كما ذكرها هو بنفسه عندما سئل عن حجية الإجماع أو إتفاق علماء الأمة فى دين الله ..أى ما هو دليله على أن ما اتفقت عليه الأمة هو حجة فى العقيدة والعمل على كل مسلم ..
وأحاول هنا والله المستعان الهادى أن أستدل بما إحتج به هو فى ردى على رأيك و رسالتى إليك من أن جمع الحديث وكتابته هو من الذكر الذى حفظه الله وأن لفظ الذكر الوارد فى الآية الكريمة "إنا نحن نَزَّلنا الذِكرَ وإنا له لحافظون" لا يقتصر على القرآن المنزل فقط ولكنه يشمل كل ما ثبت أنه صحيح عن رسول الله واتفقت عليه أمة النبى صلى الله عليه وسلم إلى الآن ومنها أمهات كتب الحديث التى تحوى كثيرا من الصحيح وأن كتاب الله وحده قائم بذاته هو حجة فى العقيدة والتوحيد والإيمان وأركانه و شروطه وصفة أهل الجنة وأهل النار ويوم الحساب وتاريخ الرسالات و هو شهادة لله على الناس يوم القيامة ولكن فرائض الإسلام وآدابه وحدوده وأوامره ونواهيه وكل عبادة ذكرها نص القرآن لابد وأن معها سنة صريحة للنبى نقلها إلينا من قيضه الله لحفظها ونقلها ثم تدوينها وكتابتها كموطأ الإمام مالك و مسند أحمد وصحيح البخارى ومسلم على ما افترضوه من شروط لصحة الحديث حسب إجتهادهم.. وواجب على كل مسلم أن يجتهد فى معرفتها و العمل بها سواء كان مقلدا أو متبعا لمذهب فى الفقه أو عالما فيه ولا يحل لمسلم أن يقصر فى ذلك مهما طال به الزمن من نهاية عهد النبوة وإلى قيام الساعة
وإليك نص ما قاله الإمام المعظم ثم بعدها أذكر أسباب إستدلالى
حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال : قال المزني أو الربيع : كنا يوما عند الشافعي ، إذ جاء شيخ عليه ثياب صوف ، وفي يده عكازة ، فقام الشافعي ، وسوى عليه ثيابه ، وسلم الشيخ ، وجلس ، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له ، إذ قال الشيخ : أسأل ؟ قال : سل ،
قال الشيخ: ما الحجة في دين الله ؟
قال الشافعي: كتاب الله.
قال الشيخ: وماذا ؟
قال الشافعي: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
قال الشيخ: وماذا ؟
قال الشافعي: اتفاق الأمة .
قال الشيخ: من أين قلت : اتفاق الأمة ؟
فتدبر الشافعي ساعة ، فقال الشيخ : قد أجلتك ثلاثا ، فان جئت بحجة من كتاب الله ، وإلا تب إلى الله تعالى ، فتغير لون الشافعي ، ثم إنه ذهب ، فلم يخرج إلى اليوم الثالث بين الظهر والعصر ، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام -أى كان ذا مرض آنذاك -، فجلس ، فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ ، فسلم ، وجلس ، فقال : حاجتي ؟
فقال الشافعي : نعم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصِلهِ جهنم .. الآية سورة النساء 115.

قال : فلا يصليه جهنم على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض - من فروض الإسلام التى يحاسب الله عليها المسلم -، فقال : صدقت ، وقام فذهب . فقال الشافعي : قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، حتى وقفت عليه .

رحم الله الإمام الشافعى والآن أذكر أسباب إستدلالى:-

١- سأل الشيخ عن الحجة فى دين الله أى المرجع والدليل الذى يقام به الحساب على أعمال الناس فى الحياة الدنيا عند القضاء فى الإسلام و يوم القيامة عند السؤال.
٢- جدير بالإنتباه أن الشيخ لم يكن ليسأل عن الحجة فى القرآن أو السنة لوضوح البيان من القرآن فى مواضع كثيرة عن أنهما أصلان فى التشريع وإنما سأل الشيخ عن الحجة فى الإجماع - إتفاق الأمة - فقط.
٣- أوضح الترتيب الذى أجاب به الشافعى على أن كتاب الله هو الأصل فى التشريع ثم تأتى بعد ذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم - ما صح منها - ثم يأتى بعد ذلك إتفاق الأمة.
٤- لا أحتاج الآن إلى التذكير بأن أمة الإسلام فى كل عصر اتفقت على نقل وإثبات والعمل بكل صحيح ثبت من فعل الرسول أو قوله بداية من الصلاة والطهارة وكيفياتها إلى الزكاة المفروضة والصيام الواجب والحج لمن استطاع إليه سبيلا والجهاد وأحكامه وحتى الوصايا والبيوع والديات و الجنائز والنكاح والطلاق و النذور و الهبات والكفَّارات وإصلاح المال وكثير لا أحصيه من فروع فقه حديث النبى صلى الله عليه وسلم إنتهاء إلى إثبات الكثير من آداب الإسلام ومقامات التقوى كمكارم الأخلاق والشكر و الإعتبار والإخلاص والنية والصبر وذم الكذب وذم الكبر وأدب الزيارة و الطعام و إكرام الضيف ودخول الخلاء واليقين والقناعة والعفاف والتوكل على الله فى كل شئ و الورع والتهجد والقيام وآداب الدعاء وإلى ما لا أحصيه هنا...

والآن يسعنى إن شاء الله أن أقول أنه لولا حفظ السنة وكتابة الحديث الصحيح وجمعه الذى بدأ منذ فجر الإسلام لشك الناس فى آثار النبى و هجرته وغزواته ومكان دفن النبى ولما علم له قبر كسائر الأنبياء من قبل ولما كان لنا أن نعلم مكانة الصحابة وفضلهم من المهاجرين والأنصار ولأصبح كل ما تبقى لنا من سيرته حِكَمٌ وأقوال ومأثورات كحكمة الإغريق واليونان وفلسفات زرادشت وسقراط أو نبوءات نوستراديموس أو ترجمات منقولة محرفة ضاع كثيرها كتبها المفترون بأيديهم كقراطيس التوراة و الأناجيل المتعددة.
و التى قادت اليهود إلى قتل الأنبياء والكفر والإفساد فى الأرض بدعوى أن الله إختارهم من دون الناس واختصهم بحبه لأنهم أبناؤه ودَعَت النصارى إلى الشك فى حقيقة وجود المسيح ذاته ناهيك عن صلبه ورفعه وحقيقة الأقانيم الثلا ثة التى تهدم إثبات التوحيد لإله واحد أحد وإنتهى بهم الضلال أن ظنوا أن لله إبنا تحمَّلَ الصلب فداءً لكل من آمن به رباً ومن عجب ومع ذلك فإن رحمته ومغفرته تضيق على من آمن به فتفتقر إلى صكوك للغفران تباع وتشترى من رجال الدين.
ولقد كانت وما تزال الحجة البالغة على كل مسلم يغلى فى صدره الشك فى مصادر السنة النبوية و الحديث هى نفسها الحجة على إيمانه و يقينه بالقرآن الذى تم جمعه وإثباته بالخبر عن الجماعة و الواحد ونقله ثم تصحيفه بعد موت النبى حيث توفى النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم لم يُجمع في مصحف واحد مكتوب، وإنما كان متفرقاً في الصدور والألواح ونحوها من وسائل الكتابة فى عهد ثلاث خلفاء آخرهم مصحف عثمان رضى الله عنه الذى أحرق كل المصاحف إلا واحد نسخه ثم أرسله إلى الأمصار وهو الذى أجمعت الأمة عليه وبين أيدينا.
فمن شك فى صحيح الحديث و السنة لأنها عن النقل و الأثر وتفتقر إلى السند الموثوق وأغفل إتفاق الأمة و علماءها على الصحيح والحسن منها فكيف لا يشك فى القرآن الذى جمعت آياته بالنقل والأثر ثم إتفاق الأمة على مصحف عثمان.
وحتي الآية الكريمة "إنا نحن نَزَّلنا الذِكرَ وإنا له لحافظون" هى نفسها كسائر آى القرآن جمعت بالنقل والأثر برواية الجماعة ثم كتبت فى المصحف على الترتيب والموضع الذى أوقف عليه النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة مما حفظوه تلاوة فى صدور الرجال أو أثبتوه كتابة على العُسُب و اللَّخاف والألواح .
ولا أجد أوقع من أن أختم رسالتى إليك بقول مأثور أيضا عن الإمام الشافعى أرجو أن يكون صحيحا حين قال "لولا المَحَابِرُ لخَطَبَتِ الزَّنَادِقَةُ على المَنابر" أى لولا السنة الصحيحة المدونة المكتوبة بالمحابر والتى حفظها الله بحفظه للذكر لاعتلى المنابر الزنادقة و الملحدين الزائغة قلوبهم عن الحق يفتون بالجهل فى الدين ويبتدعون فى الإسلام بدعا من الأفعال و الأقوال ويتأولون القرآن بالرأى والهوى ثم يٌسقطونَ الأعمال والفرائِض لجحدهم العملَ بالسُنَة فيقودون أمما من الناس إلى الكفر ويشاقون الرسول فيما بلغ عن ربه "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصِلهِ جهنم "
أسأل الله العافية لنا ولكم .. أسأله العافية من كل بلية و أسأله تمام العافية وأسأله دوام العافية وأسأله الشكر على العافية وأسأله الغنى عن الناس.