== أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ==
هو عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيم بن مرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب، القرشى ، التيمى ، يلتقى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فى مرَّة.
* قال النووى فى تهذيبه "كتاب تهذيب الأسماء" قال مصعب بن الزبير و غيره وأجمعت الأمة (سوى أعداءُ الله من الشيعة الروافض) على تسميته الصديق لأنه بادر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولازم الصدق ، فلم تقع منه هَنَاةٍ ما ، ولا وقفة فى حال من الأحوال ، وكانت له فى الإسلام المواقفَ الرفيعَة منها قصته يوم الإسراء ، وثباته ، وجوابُه للكفار فى ذلك ، وهجرته مع رسول الله ، وترك عيالِه وأطفَاله ، وملازمَتُه فى الغار وسائر الطريق إلى المدينة. ثم كلامُه يَوم بدر و يوم الحديبية حينَ اشتَبَه على غيرهِ الأمرُ فى تأخر دخولِ مكةَ ، ثم بُكَاؤه حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَ عبداً خَيَرَهُ الله بين الدنيا و الآخِرَةَ فاختارَ الآخِرَةَ ثم ثباته يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبَتُهُ فى الناس و تسكينهم ، ثم قيامُهُ فى قضيةِ البيعَةِ لمصلحةِ المسلِمِنَ ، ثم اهتمامه و ثباته فى بعث جيشِ أُسَامة بن زيد إلى الشام وتصميمه فى ذلك ، ثم قيامه فى قتال أهل الردة ومناظرَتِهِ للصحابة حتى حجَّهم بالدلائل ، وشرح الله صدورهم لما شرح له صدره من الحقِ فى قتال أهل الردة ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوحه وإمدادهم بالأمداد ، ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجَلِّ فضائله ، وهو استخلافه عمر رضى الله عنه وتفرسه فيه ، ووصيته له، واستيداعه الله الأمة ، فخلَفهُ الله عز وجل فيهم أحسن الخلافة .. وكم للصديق من مناقب ومواقف وفضائل لا تحصى ؟ هذا كلام النووى
وأخرج الحاكم فى المستدرك عن النزال بن سبرة قال: قلنا لعلى: يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن أبي بكر ، قال: ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل ، وعلى لسان محمد ، كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا ، إسناده جيد.
وأخرج الدارقطنى والحاكم عن أبى يحيى ، قال: لا أُحصِى كَم سمعت عليا على المنبر: إن الله سمَّى أبا بكرٍ على لسان نبيه صدِّيقا.
وأخرج الحاكم فى المستدرك عن عائشة رى الله عنها ،قالت: جاءَ المشرِكون إلى أبى بكر ، فقالوا: هل لك إلى صاحِبِك؟ يزعم أنه أُسْرِىَ يه الليلة إلى بيتِ المَقْدِسِ ، قال: أَوَ قالَ ذَلِك؟ قالوا: نعم ، فقال: لقد صَدَقْ ، إنى لأصدقَهُ بِأبعَدَ مِن ذلك بخبر السماء غدوةً و روحةً ؛ فلذلك سمى الصديق ، إسناده جيد ، وقد وردَ ذلك من حديثِ أَنَس و أبى هريرة ، وأسندَهما ابن عساكرٍ وأمِ هانئ ، أخرجه الطبرانى.
وأخرج ابن عساكرٍ عن على رضى الله عنه ، قال: أولُ من أسلَمَ من الرجال أبو بكرٍ.
و أخرج الطبرانى فى الكبير ، وعبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد عن الشعبى قال: سألت ابن عباس ، أىُّ الناس كان أول إسلاماً؟ قال:أبو بكر الصديق ألم تسمع قول حسان ..
قال حسان بن ثابت رضى الله عنه:
* إذا تَذَكرتَ شجواً من أخى ثِقَةٍ << >> فاذكُر أَخاكَ أبَا بكرٍ بما فَعَلا
* خيرُ البَريَّةِ أتقَاها وأعدَلَهَا << >> إلا النبىَّ وأوفاها بما حملا
* والثانِىَ التَالِىَ المَحمُودَ مَشهَدُه << >> وأوَّلَ الناسِ منهم صدَّقَ الرُّسلا
== إسلامه وفضله ==
أخرج ابن نعيم وابن عساكر ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كلمتُ فى الإسلام أحداً إلا أبى عَلَىَّ و راجعنى الكلام ، إلا ابن أبى قحافة ، فإنى لم أكَلِمَهُ فى شئٍ إلا قَبِلَهُ واستَقَامَ عليهِ".
وقال ابن إسحاق: حدثنى محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما دعوتُ أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوةٌ و ترددٍ ونظر ، إلا أبا بكرٍ ، ما عَتَمَ عنه حين ذكرته ، وما تردد فيه" عتم: أى لبث.
وأَخرَجَ ابن عساكر بسند جيد عن محمد بن سعد بن أبى وقاص أنه قال لأبيه سعدٍ: أكان أبو بكرٍ أَوَّلكم إسلاما؟ قال: لا ، ولكنه أسلم قبله أكثَرَ مِن خَمسَة ، ولكن كَان خَيرُنَا إسلاماً.
قال ابن كَثير: والظَاهِرُ أن أَهل بيتهِ صلى الله عليه و سلم آمنوا قبلَ كُلِ أحَد: زوجته خديجة ، ومولاه زيد ، وزوجة زيد أُمُ أَيمن ، وعلىّ ، وورقة ، انتهى
وأخرجَ أبو نُعَيم عن فرات بن السائب: قال: سألتُ ميمونَ بن مهران ، قلت: علىُّ أفضل عندك أم أبو بكر و عمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده ، ثم قال: ما كنت أَظُنُ أن أبقى إلى زمان يُعدَلُ ، لله درُّهُما! كانا رأسُ الإسلامِ . قلت: فأبو بكرٍ كان أول إسلاماً أم علىّ؟ قال: واللهِ لقد آمن أبو بكرٍ بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم زمَنَ بحيراً الراهبُ حين مرَّ به ، واختلف فيما بينَهُ وبين خديجَةَ حتى أنكحها إياه ، وذلك كله قبل أن يولد علىّ ، وقيل أول من أسلمَ على وقيلَ خديجة. وجُمِعَ بين الأقوال بأنَ أبا بكرٍ أول من أسلم من الرجال ، وعلىّ أول من أسلمَ من الصبيان ، وخديجة أول من أسلمت من النساء ؛ وأول من ذَكَرَ هذا الجمع الإمام أبو حنيفةَ رحمهُ الله.
== صُحبَتُه ومشاهده مع الرسول وشجاعته ==
قال العلماء صحب أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم من حين أسلم إلى حين توفي لم يفارقه سفراً ولا حضراً إلا فيما أذن له صلى الله عليه وسلم في الخروج فيه من حج وغزو وشهد معه المشاهد كلها وهاجر معه وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو رفيقه في الغار قال تعالى " ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " " التوبة: 40 " وقام بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موضع وله الآثار الجميلة في المشاهد وثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس.
أخرج البزار في مسنده عن عَلىّ رضى الله عنه أنه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ فقالوا أنت قال: أما إني ما
بارزت أحداً إلا انتصفت منه ولكن أخبروني بأشجع الناس قالوا لا نعلم فمن قال أبو بكر إنه لما كان يوم بدر فجعلتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه فهو أشجع الناس قال عَلىّ رضي الله عنه ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش فهذا يجبأه وهذا يتلتله وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجبأ هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم رفع على بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال ألا تجيبونني فوالله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.
== أجود الصحابة ==
قال الله تعالى: " وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى " " الليل: 18 " إلى آخر السورة قال ابن الجوزي أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر " فبكى أبو بكر وقال هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟.
وأخرج أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً مثله.
قال ابن كثير وروى أيضاً من حديث علي وابن عباس وأنس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم وأخرجه الخطيب عن سعيد بن المسيب مرسلا وزاد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
وأخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة رضي الله عنها وعروة بن الزبير " أن أبا بكر رضي الله عنه أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار وفي لفظ أربعون ألف درهم فأنفقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وأخرج أبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي قلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتي أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسبقه في شيء أبداً قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وأخرج ابن جرير عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال أبوه أي بنى أراك تعتق أناساً ضعافاً فلو أنك تعتق رجالا جلداً يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك قال أي أبت أنا أريد ما عند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه " فأما من أعطى واتقى " " الليل: 5 " إلى آخرها.
وأخرج أبن أبي حاتم والطبراني عن عروة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعتق سبعة كلهم يعذب في الله وفيه نزلت " وسيجنبها الأتقى " " الليل: 17 " إلى آخر السورة.
وأخرج البزار عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " " الليل: 19 " إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
== عِلمُهُ و قضاؤُه ==
وقال ابن كثير: كان الصديق رضي الله عنه أقرأ الصحابة أي أعلمهم بالقرآن لأنه صلى الله عليه وسلم قدمه إماماً للصلاة بالصحابة رضي الله عنه مع قوله " يَؤُمُ القوم أقرؤهم لكتاب الله " .
وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره " .
وكان مع ذلك أعلمهم بالسنة كما رجع إليه الصحابة في غير موضع يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي صلى الله عليه وسلم يحفظها هو ويستحضرها عند الحاجة إليها ليست عندهم وكيف لا يكون كذلك وقد واظب على صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم من أول البعثة إلى الوفاة وهو مع ذلك من أذكى عباد الله وأعقلهم وإنما لم يرو عنه من الأحاديث المسندة إلا القليل لقصر مدته وسرعة وفاته بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فلو طالت مدته لكثر ذلك عنه جداً ولم يترك الناقلون عنه حديثاً إلا نقلوه ولكن كان الذين في زمانه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قد شاركه هو في روايته فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم.
وأخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى به وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه آله وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء فيقول أبو بكر الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإن أجمع أمرهم على رأى قضى به وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعا رؤوس المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر قضى به.
وكان الصديق رضي الله عنه مع ذلك أعلم الناس بأنساب العرب لا سيما قريش أخرج ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الأنصار قال: كان جبير بن مطعم من أنسب قريش لقريش والعرب قاطبة وكان يقول إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق وكان أبو بكر الصديق من أنسب العرب.
وكان الصديق مع ذلك غاية في علم تعبير الرؤيا وقد كان يعبر الرؤيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال محمد بن سيرين وهو المقدم في هذا العلم بالاتفاق كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن سعد.
== فَضلُه بين الصحابة ==
أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب: أبو بكر سيدنا.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمر رضي الله عنه قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم.
أجمع أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم سائر العشرة ثم باقي أهل بدر ثم باقي أهل أحد ثم باقي أهل البيعة ثم باقي الصحابة هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي.
وروى البخاري عن ابن عمر قال: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ابن الخطاب ثم عثمان ابن عفان رضي الله عنهم وزاد الطبراني في الكبير فيعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال: كنا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً.
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن متوافرون نقول أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت.
== فى الرد على من انتقص منه ==
قال سفيان الثوري من زعم أن علياً كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد أخطأ وَ خَطَأَ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار.
وقال شريك: ليس يقدم علياً على أبي بكر وعمر أحد فيه خير.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر هما أبو الإسلام وأمه.
وقال جعفر الصادق: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير.
== خلافتِه ==
وقال ابن إسحاق في السيرة: حدثني الزهري قال: حدثني أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
والذي وقع في أيامه من الأمور الكبار: تنفيذ جيش أسامة وقتال أهل الردة وما نعي الزكاة ومسيلمة الكذاب وجمع القرآن.
أخرج الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتد من ارتد من العرب وقالوا نصلي ولا نزكي فأتيت أبا بكر فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك جباراً في الجاهلية خواراً في الإسلام بماذا عسيت أن أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالا قال عمر: فوجدته في ذلك أمضى مني وأحزم وأدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤونتهم حين وليتهم.
وقال الذهبي: لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالنواحي ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزكاة فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم فقال: والله لو منعوني عقالا أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله " فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال وقد قال إلا بحقها قال عمر فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق أخرجه الشيخان وغيرهما.
== أبو بكر وما أدراك ما أبو بكر ==
من خُطبة لعمر بن الخطاب رضى الله عنه مغضبا لمَّا بَلَغَهُ أن قوما يفضلونه على أبى بكر رضى الله عنه: أيها الناس ، إنى سأخبرُكم عنى وعن أبى بكر ، إنه لمَّا توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب ، ومنعت شاتها وبعيرها ، فأَجمَعَ رأينا كلنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن قلنا له يا خليفة رسول الله ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقاتل العرب بالوحى والملائكة يمدُهُ الله بهم ، وقد انقطع ذلك اليوم فالزم بيتك و مسجِدك ، فإنه لا طاقة لك بقتال العرب. فقال أبو بكر الصديق: أوَ كُلُكُم رأيَهُ على هذا ؟ فقلنا نعم فقال: واللهِ لأَن أَخِرَّ من السماءِ فتخطَفَنى الطيرُ أَحَبَّ إلىَ من أن يكون هذا رأيى .. ثم صعد المنبر ، فحمد اللهَ وكبَّرَهُ وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلَّم ثم أقبل على الناسِ فقال: أيها الناس ، من كانَ يعبُدُ محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كانَ يعبدُ اللهَ فإن اللهَ حى لا يموت.
أيها الناس، أإن كَثُرَ أعداؤُكم ، وقل عددُكم ، ركب الشيطان منكم هذا المركِبِ؟ واللهِ لَيُظهِرَنَّ اللهُ هذا الدينِ على الأديانِ كلِها ولو كرِهَ المُشرِكون. قوله الحق ووعدُهُ الحق، <بل نقذِفُ بالحقِِ على الباطلِ فَيدمَغُهُ فإذا هو زاهِق> ،و <كم من فئةٍ قليلَةٍ غَلَبَت فئةً كثيرَةً بإذن الله واللهُ معَ الصابرين> . واللهِ أيها الناس. لو أُفرِدتُ من جميعكم لجاهدتهُم فى الله حق جِهادِهِ حتى أُبْلَى بنفسى عُذراً أو أُقتَلَ قَتِيلاً ، والله أيها الناس لو منعونى عِقَالاً لجاهدتهم عليهِ، واستعنت عليهِمُ اللهَ وهو خيرُ معين. ثم نَزَلَ فجاهد فى اللهِ حقَ جِهَادِهِ حتى أذعَنتِ العربُ بالحق
..
== وفاته رضى الله عنه ==
وأخرج الواقدي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يوماً بارداً فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة وتوفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة.
وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها تمثلت بهذا البيت وأبو بكر يقضي:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فقال أبو بكر: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبادة بن قيس قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة اغسلي ثوبي هذين وكفنيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين إما مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب.
وأخرج ابن أبي الدينا عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس ويعينها عبد الرحمن بن أبي بكر.
وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه صلى على أبي بكر بين القبر والمنبر وكبر عليه أربعاً.
ودخل عليه بعض الصحابة فقال له قائل منهم ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته فقال أبو بكر بالله تخوفني أقول اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت وراءك ثم دعا عثمان فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً فإن عدل فلذلك ظني به وعلمي فيه وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم أمر بالكتاب فختمه ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوماً فبايع الناس ورضوا به ..
ثم دعا أبو بكر عمر خالياً فأوصاه بما أوصاه ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه وقال اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأياً فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على ما أرشدهم وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلُفنى فيهِم فَهُم عبادك ونواصِيهم بيدِكَ ؛ أَصلِحِ اللَهُمَّ ولاتَهُم واجعله من خلفائك الراشدين وأصلح له رعيته.
== المراجع ==
تاريخ الخلفاء - للحافظ جلال الدين السيوطى المتوفى سنة ٩١١هجرية
الكامل فى اللغة و الأدب للعلامة أبى العباس المبرَّد النَّحَوىّ